للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولا فِعله فِعله، أكثر ما فيه استعمال لفظ الجوع والمرض مقيَّدًا مبيّنًا للمراد، فلم يُطلق الخطاب إطلاقًا.

وأيضًا فقد عَلمَ المخاطب أن الرب تعالى لا يجوع، ولا يمرض، فلم يكن فيه تلبيس، لا من جهة السمع، ولا من جهة العقل، بل المتكلم بَيّن فيه مراده، والمستمع له لم يشتبه عليه، بخلاف ما إذا أضيف لفعل العبد الذي يمكن منه الفعل، والفعل قد قام به، فإنه إذا جعل فِعله فِعل الرب لم يعقل هذا، إلا إذا أريد أنه خالقه، وإذا أُريد ذلك فالصواب أن يقال: فِعْل العبد مخلوق للرب تعالى، ومفعول له لا يُطلق أنه فِعله لِمَا فيه من التلبيس، ولمَا فيه من نفي فِعل الرب، ولمَا فيه من نفي كون العبد فاعلًا. انتهى (١).

وقال ابن تيميّة رحمه الله أيضًا في "درء تعارض العقل والنقل": (فإنه لا يجوز لعاقل أن يقول: إن دلالة هذا الحديث مخالفة لعقل ولسمع، إلا من يظن أنه قد دلّ على جواز المرض والجوع على الخالق - ومن قال هذا فقد كذب على الحديث، - ومن قال: إن هذا ظاهر الحديث، أو مدلوله، أو مفهومه، فقد كذب، فإن الحديث قد فسَّره المتكلم به، وبيَّن مراده بيانًا زالت به كل شبهة، وبيَّن فيه أن العبد هو الذي جاع، وأكل، ومرض، وعاده العُوَّاد، وأن الله سبحانه لم يأكل، ولم يُعَدْ) (٢).

وفي موضع آخر من "درء تعارض العقل والنقل": (فهذا الحديث قد قَرَن به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيانه، وفَسَّر معناه، فلم يَبْقَ في ظاهره ما يدلّ على باطل، ولا يحتاج إلى معارضة بعقل، ولا تأويل، يُصرف فيه ظاهره إلى باطنه بغير دليل شريرّ، فأما أن يقال: إن في كلام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ما ظاهره كُفْر هالحاد من غير بيان من الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لِمَا يزيل الفساد، ويبيّن المراد، فهذا هو الذي يقوله أعداء الرسل الذين كفروا من المشركين وأهل الكتاب، وهو الذي لا يوجد في كلام الله أبدًا) (٣).


(١) كتاب "الاستغاثة". انظر: "تلخيص ابن كثير" له ١/ ٣٤٤.
(٢) "درء تعارض العقل والنقل" ١/ ١٥٠.
(٣) "درء تعارض العقل والنقل" ٥/ ٢٣٣.