للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أضعف الاستدلال، وأبعدها عن الصواب؛ لأنه لا دلالة له أصلًا على الموت المعهود؛ لأن تلك الصعقة في القيامة، فتأمله بإنصاف يظهر لك جليّ الأمر، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

[فإن قيل]: كيف رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره، وصلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء ببيت المقدس، ووَجَدَهم على مراتبهم في السموات، وسَلّموا عليه ورَحَّبُوا به؟.

[فالجواب]: أنه يَحتمل أن تكون رؤيته موسى عليه السلام في قبره عند الكثيب الأحمر كانت قبل صعود النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء، وفي طريقه إلى بيت المقدس، ثم وجد موسى قد سبقه إلى السماء. ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - وصلى بهم على تلك الحال لأول ما رآهم، ثم سألوه ورَحَّبُوا به، أو يكون اجتماعه بهم وصلاته ورؤيته موسى بعد انصرافه ورجوعه عن سدرة المنتهى، فلا تتناقض الأحاديث، وتستمرّ على الصواب، قاله عياض رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: كذا أجاب القاضي رحمه الله، وعندي أن الذي يظهر من مجموع الروايات التي سبق بيانها أن إمامة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لهم كان قبل الصعود، والله تعالى أعلم.

والحاصل أن قصّة إسراء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في بعض الليل إلى بيت المقدس، ثم عُرُوجه إلى السماوات العلى، ومروره على الأنبياء هناك، واستقبالهم له بالترحيب، وتردّده بين ربّه وبين موسى، ورؤيته تلك العجائب الغرائب في سويعة من الزمن خارجٌ عن تصوّرنا، ولكنه فعل الواحد القهّار، لا يُعجزه شيء، بل هو قادر على أكثر من ذلك، فنؤمن بأنه - صلى الله عليه وسلم - رأى موسى عليه السلام في قبره يصلّي، ثم صلى به وبالأنبياء الآخرين ببيت المقدس، ثم استقبلوه بالترحيب في عروجه سماءً سماءً، كلّ ذلك على ظاهره من غير تأويل، والله على كلّ شيء قدير.

(فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ، جَعْدٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٧٣١.