للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القاضي عياض رحمه الله (١): قولها: "ما رأيت رجلًا أشدّ عليه الوجه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" تريد: المرض، والعرب تسمّي كل مرض وجعًا، وهذا يفسّره قوله في الحديث الآخر: "ذلك بأن لك أجرين؟ قال: أجل"، متّفق عليه، وقوله في حديث سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه-: قال: قلت: يا رسول الله؛ أيّ: الناس أشدّ بلاء؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، يُبتلى العبدُ على حَسَب دينه، فإن كان دينه صَلْبًا اشتدّ بلاءه، وإن كان في دينه رِقّة ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما به خطيئةٌ"، رواه الترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبّان.

وأخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-؛ أنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو مَوْعُوك، عليه قطيفة، فوضع يده عليه، فوجد حرارتها فوق القطيفة، فقال أبو سعيد: ما أشدّ حُمّاك يا رسول الله؟ قال: "إنا كذلك يشتدّ علينا البلاء، ويضاعَف لنا الأجر"، فقال: يا رسول الله أيّ الناس أشدّ بلاءً؟ قال: "الأنبياء، ثم الصالحون، وقد كان أحدهم يُبتلَى بالفقر، حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها، فيلبسها، ويبتلى بالقمل، حتى يقتله، ولَأحدهم كان أشدّ فرحًا بالبلاء من أحدكم بالعطاء" (٢).

وقوله: (وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ)؛ أي: ابن أبي شيبة شيخ الأول، (مَكَانَ الْوَجَعِ: وَجَعًا) بيّن به اختلاف شيخيه، فقال عثمان: "وجعًا" بالتنكير بدل قول إسحاق: "الوجع" بالتعريف.

وقال في "المشارق": قوله: "وفي رواية عثمان مكان الوجع: وجعًا" فيه نقصٌ، وتمامه مكان "عليه الوجع": وجعًا، فتأتي رواية عثمان: ما رأيت أحدًا أشدّ وجعًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك يستقيم الكلام، وعلى لفظ الكتاب يكون أشدّ عليه وجعًا، وليس هو وجه الكلام. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم.


(١) "إكمال المعلم" ٧/ ٤٠.
(٢) حديث صحيح، أخرجه البخاريّ في "الأدب المفرد" ١/ ١٧٩.
(٣) "مشارق الأنوار" ٢/ ٤٠٣.