للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(سَيِّئَاتِهِ) منصوب على المفعوليّة لـ "حَطَّ"، (كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا") قال الطيبيّ رحمه الله: شبّه حال المريض، وإصابة المرض جسده، ثم محو السيئات عنه سريعًا بحالة الشجرة، وهبوب الرياح الخريفيّة، وتناثر الأوراق منها سريعًا، وتجرّدها عنها، فهو تشبيهٌ تمثيليّ؛ لانتزاع الأمور المتوهّمة في المشبّه من المشبَّه به، فوجه التشبيه الإزالة الكليّة على سبيل السرعة، لا الكمال والنقصان؛ لأن إزالة الذنوب عن الإنسان سبب كماله، وإزالة الأوراق عن الشجرة سبب نقصانها. انتهى (١).

وفي رواية للبخاريّ: "إلا كفّر الله بها سيّئاته، كما تحطّ الشجرة ورقها"، قال في "الفتح": معنى قوله: "أذًى، شوكةٌ" التنوين فيه للتقليل، لا للجنس؛ ليصحّ ترتّب فوقها ودونها في العِظَم، والحقارة عليه بالفاء، وهو يَحْتَمِل فوقها في العظم، ودونها في الحقارة، وعكسه.

وقوله: "كما تحُطّ" بفتح أوله، وضم المهملة، وتشديد الطاء المهملة؛ أي: تُلقيه منتثرًا.

والحاصل أنه أثبت أن المرض إذا اشتدّ ضاعف الأجر، ثم زاد عليه بعد ذلك أن المضاعفة تنتهي إلى أن تحط السيئات كلها.

أو المعنى قال: نَعَم شدّة المرض ترفع الدرجات، وتحط الخطيئات أيضًا، حتى لا يبقى منها شيء، ويشير إلى ذلك حديث سعد بن أبي وقاص الذي تقدّم ذكره: "حتى يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة". ومثله حديث أبي هريرة، عند أحمد، وابن أبي شيبة، بلفظ: "لا يزال البلاء بالمؤمن، حتى يلقى الله، وليس عليه خطيئة، قال أبو هريرة: ما من وجع يصيبني أحب إليّ من الحمى، إنها تدخل في كل مَفْصِل من ابن آدم، وإن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر" (٢).

وفي رواية للبخاريّ أيضًا: "ما من مسلم يصيبه أذى، إلا حاتّ الله عنه خطاياه، كما تحاتّ ورق الشجر وقوله: "حاتّ الله" بفتح الحاء المهملة،


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٤/ ١٣٣٩.
(٢) "الفتح" ١٣/ ١٩، كتاب "المرضى" رقم (٥٦٤٨).