للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه وفي الحديث الآخر: "نحن معاشر الأنبياء يشتدّ علينا البلاء، ويعظم لنا الأجر". انتهى (١).

٢ - (ومنها): بيان أن البلاء بالنسبة للمؤمن نعمة من الله عز وجل ينبغي أن يشكره عليه، فلذا كان الأنبياء أشدّ الناس بلاء؛ لِمَا لهم به من الزلفى والقرب من ربهم عز وجل.

٣ - (ومنها): أن الأمراض ونحوها ترفع الدرجات، كما تحطّ الخطيئات، فتجمع بين الاثنين، كما هو رأي الجمهور، وخالف في ذلك بعضهم، فجعلها للحطّ فقط، والصواب الأول.

٤ - (ومنها): ما قاله ابن الجوزيّ رحمه الله: في الحديث دلالة على أن القويّ يَحْمِل ما حُمِّل، والضعيف يُرفَق به، إلا أنه كلما قويت المعرفة بالمبتلي هان عليه البلاء، ومنهم من ينظر إلى أجر البلاء، فيهون عليه البلاء، وأعلى من ذلك درجة مَن يرى أن هذا تصرّف المالك في مُلكه، فيُسَلِّم، ولا يعترض، وأرفع منه من شغلته المحبة عن طلب رفع البلاء، وأنهى المراتب من يتلذذ به؛ لأنه عن اختياره نشأ، والله أعلم. انتهى (٢).

٥ - (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه الله: في هذه الأحاديث بشارةٌ عظيمةٌ للمسلمين، فإنه قلما ينفكّ الواحد منهم ساعةً من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض، والأسقام، ومصائب الدنيا، وهمومها، وإن قَلّت مشقتها، وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور، وزيادة الحسنات، وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء، وحَكَى القاضي عياض عن بعضهم أنها تكفّر الخطايا فقط، ولا ترفع درجة، ولا تكتب حسنة، قال: ورُوي نحوه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: الوجع لا يُكتب به أجر، لكن تُكَفّر به الخطايا فقط، واعتَمَد على الأحاديث التي فيها تكفير الخطايا، ولم تبلغة الأحاديث التي ذكرها مسلم المصرِّحة برفع الدرجات، وكَتْب الحسنات.

قال العلماء: والحكمة في كون الأنبياء أشدّ بلاءً، ثم الأمثل فالأمثل، أنهم مخصوصون بكمال الصبر، وصحة الاحتساب، ومعرفة أن ذلك نعمة


(١) "المفهم" ٦/ ٥٤٤.
(٢) "كشف المشكل" ١/ ٢٨٧.