للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إذا أتعبه، فهو مُنصَبٌ، وهَمّ ناصبٌ؛ أي: ذو نصب، و"السقم": المرض الشديد، يقال منه: سَقِم يَسْقَمُ، فهو سقيم، و"الهم": الحزن، والجمع: الهموم، وأهمَّني الأمر: إذا أقلقني، وحَزَنني، والمهِمّ: الأمر الشديد، وهمّني المرض: أذابني.

قال القرطبيّ: هذا نقلُ أهل اللغة، وقد سوُّوا فيه بين الحزن والهم، وعلى هذا فيكون الحزن والهم المذكوران في الحديث مترادفين، ومقصود الحديث ليس كذلك، بل مقصوده: التسوية بين الحزن الشديد، الذي يكون عن فَقْد محبوب، والهمّ الذي يُقلق الإنسان، ويشتغل به فكره من شيء يخافه، أو يكرهه في أنّ كل واحد منهما يكفّر به، كما قد جمع في هذا الحديث نفسه بين الوَصَب، وهو المرض، وبين السّقم، لكن أطلق الوصب على الخفيف منه، والسقم على الشديد، ويرتفع الترادف بهذا القدر. انتهى (١).

ولفظ البخاريّ - رحمه الله -: "ما يصيب المسلم، من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذًى، ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه". انتهى (٢)، قال في "الفتح": قوله: "من نصب" بفتح النون، والمهملة، ثم موحّدة: هو التعب، وزنه ومعناه، وقوله: "ولا وصب" بفتح الواو، والمهملة، ثم الموحّدة؛ أي: مرض، وزنه ومعناه، وقيل: هو المرض اللازم، وقوله: "ولا همّ، ولا حزن": هما من أمراض الباطن، ولذلك ساغ عَطْفهما على الوصب، قوله: "ولا أذى": هو أعمّ مما تقدم، وقيل: هو خاصّ بما يَلحق الشخص من تعدّي غيره عليه، وقوله: "ولا غمّ" بِالْغين المعجمة: هو أيضًا من أمراض الباطن، وهو ما يَضيق على القلب، وقيل في هذه الأشياء الثلاثة، وهي الهمّ، والغمّ، والحزن: إن الهمّ ينشأ عن الفكر فيما يُتوقع حصوله، مما يُتأذَّى به، والغمّ كرب يَحدُث للقلب بسبب ما حصل، والحزن يَحدُث لِفَقْد ما يَشُقّ على المرء فَقْده، وقيل: الهمّ، والغمّ بمعنى واحد.

وقال الكرمانيّ (٣): الغمّ يَشمل جميع أنواع المكروهات؛ لأنه إما بسبب


(١) "المفهم" ٦/ ٥٤٥ - ٥٤٦.
(٢) "صحيح البخاريّ" ٥/ ٢١٣٧.
(٣) "شرح البخاريّ" للكرمانيّ ٢٠/ ١٧٦ - ١٧٧.