للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي ذَرٍّ) جندب بن جُنادة الغفاريّ - رضي الله عنه - (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ) قال القاضي عياض: وفي قول أبي ذرّ - رضي الله عنه -: "فيما روى عن الله" وقد جاء مثل هذا في غير حديث عن ابن عبّاس وغيره حجة في جواز إطلاق هذا اللفظ في حقّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما أوحي إليه (١). (تَبَارَكَ)؛ أي: تكاثر خيره، وظهر في هذا الخبر بعض أثره، (وَتَعَالَى)؛ أي: ارتفع عن مشابهة المخلوقين؛ (أَنَّهُ) قيل: ضُبط بفتح الهمزة، وكسرها، (قَالَ) الله - سبحانه وتعالى -: ("يَا عِبَادِي) قال البيضاويّ: الخطاب مع الثقلين خاصّةً؛ لاختصاص التكليف، وتعاقُب التقوى والفجور فيهم، ولذا خصّ المخاطَبين بالإنس والجنّ، ويَحْتمل أن يكون عامًّا شاملًا لذوي العلم كلّهم، من الملائكة والثقلين، ويكون ذِكر الملائكة مطويًّا مدرجًا في قوله: "وجِنِّكم"؛ لشمول الاجتنان لهم، وتوجُّه هذا الخطاب نحوهم لا يتوقّف على صدور الفجور منهم، ولا على إمكانه؛ لأنه كلام صادر على سبيل الفرض والتقدير.

قال الطيبيّ: يمكن أن يكون الخطاب عامًّا، ولا يدخل الملائكة في الجنّ؛ لأن الإضافة في "جنّكم" تقتضي المغايرة، فلا يكون تفصيلًا، بل إخراجًا للقبيلين اللذين يصحّ اتّصاف كلّ منهما بالتقوى والفجور. انتهى (٢).

(إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي) قال النوويّ: معناه: تقدستُ عنه، وتعاليتُ، والظلم مستحيل في حق الله - سبحانه وتعالى -، كيف يجاوز سبحانه حدًّا، وليس فوقه من يطيعه؟، وكيف يتصرف في غير مُلك، والعالم كله في مُلكه وسلطانه؟ وأصل التحريم في اللغة المنع، فسمّي تقدّسه عن الظلم تحريمًا؛ لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله تعالى: "إني حرمت الظلم على نفسي"؛ أي: لا ينبغي لي، ولا يجوز عليّ، كما قال - سبحانه وتعالى -: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: ٩٢]، وقد اتفق العقلاء على أن الظلم على الله تعالى محال، وإنما


(١) "إكمال المعلم" ٧/ ٤٧.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٨٣٧.
(٣) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٣٢.