للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة: الإبرة، (إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) ببناء الفعل للمفعول، و"البحرَ" منصوب على أنه مفعول ثانٍ.

قال الطيبيّ: غَمْس المخيط في البحر، وإن لم يَخْلُ عن نقصٍ ما، لكنه لَمّا لم يَظهر ما ينقصه للحسّ، ولم يَعتدّ به العقل، وكان أقرب المحسوسات نظيرًا ومثالًا، شبّه به صرفَ ملتمسات السائلين مما عنده، فإنه لا يَغيضه مثل ذلك، ولا أقلّ منه (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: "المخيط": بكسر الميم، وفتح الياء: هو الإبرة، قال العلماء: هذا تقريب إلى الأفهام، ومعناه: لا ينقص شيئًا أصلًا، كما قال في الحديث الآخر: "لا يَغيضها نفقةٌ"؛ أي: لا ينقصها نفقةٌ؛ لأن ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المحدودَ الفانيَ، وعطاءُ الله تعالى من رحمته، وكرمه، وهما صفتان قديمتان، لا يتطرق إليهما نقص، فضَرَب المثل بالمخيط في البحر؛ لأنه غاية ما يُضْرَب به المثل في القلّة، والمقصود: التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه، فإن البحر من أعظم المرئيات عيانًا، وأكبرها، والإبرة من أصغر الموجودات، مع أنها صقيلة، لا يتعلق بها ماء، والله أعلم. انتهى (٢).

(يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ، أُحْصِيهَا لَكُمْ) وفي بعض النسخ: "عليكم"؛ أي: أحفظها، وأكتبها، (ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا) التوفية إعطاء حقّ كلّ واحد على التمام، قال البيضاويّ؛ أي: هي جزاء أعمالكم، فأحفظها لكم، ثم أؤدّيها إليكم تامّة وافيةً، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرّ.

وقال المظهر: "أعمالكم" تفسير لضمير المؤنّث في قوله: "إنما هي"؛ يعني: إنما نُحصي أعمالكم؛ أي: نعدّ، ونكتب أعمالكم من الخير والشرّ؛ توفيةً لجزاء عمل أحدكم على التمام.

وقال الطيبيّ: يمكن أن يرجع الضمير إلى ما يُفهم من قوله: "أتقى قلب رجل"، و"أفجر قلب رجل"، وهي الأعمال الصالحات، والطالحات، ويشهد


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٨٣٩.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٣٣.