للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولو رحمهم، لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، وأنه أَتَى ابن مسعود، فقال له مثل ذلك، ثم أتى زيد بن ثابت، فحدّثه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك (١).

وفي هذا الحديث نظر، ووهب بن خالد ليس بذلك المشهور بالعلم (٢)، وقد يُحمَل على أنه لو أراد تعذيبهم لقدّر لهم ما يعذبهم عليه، فيكون غير ظالم لهم حينئذ، وكونه خَلَق أفعال العباد، وفيها الظلم، لا يقتضي وَصْفه بالظلم - سبحانه وتعالى -، كما أنه لا يوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد، وهي خَلْقه، وتقديره، فإنه لا يوصف إلا بأفعاله، ولا يوصف بأفعال عباده، فإن أفعال عباده مخلوقاته، ومفعولاته، وهو لا يوصف بشيء منها، إنما يوصف بما قام به من صفاته، وأفعاله، والله أعلم.

وقوله: "وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا"؛ يعني: أنه تعالى حرَّم الظلم على عباده، ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم، فحرام على كلّ عبد أن يظلم غيره، مع أن الظلم في نفسه محرَّم مطلقًا، وهو نوعان:

أحدهما: ظلم النفس، وأعظمه الشرك، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]، فإن المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق، فعبده، وتألّهه، فهو وَضْع الأشياء في غير مواضعها، وأكثر ما ذُكر في القرآن من وعيد الظالمين إنما أريد به المشركون، كما قال الله - عز وجل -: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٥٤]، ثم يليه المعاصي على اختلاف أجناسها، من كبائر، وصغائر.

والثاني: ظُلم العبد لغيره، وهو المذكور في هذا الحديث، وقد قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا"، ورُوي


(١) رواه أبو داود (٤٦٩٩)، وابن ماجه (٧٧)، وصحّحه ابن حبّان (٧٢٧).
(٢) هكذا قال ابن رجب، وهذا منه عجيب، فإن وهب بن خالد هو الحميريّ، أبو خالد الحمصيّ، ثقة من السابعة، قاله في "التقريب"، ولم يتكلّم فيه أحد بجرح، والحديث صحيح، وقد بيّنت ذلك في "شرح ابن ماجه" برقم (٧٧)، فتنبّه، والله تعالى أعلم.