عنه أنه خطب بذلك في يوم النحر من عرفة، وفي يوم النحر، وفي اليوم الثاني من أيام التشريق، وفي رواية ثم قال:"اسمعوا مني، تعيشوا، ألا لا تظالموا، إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه"(١)، وفي "الصحيحين" عن ابن عمر، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"إن الظلم ظلمات يوم القيامة"، وفيهما عن أبي موسى، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن الله لَيُمْلي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفْلِته، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)} [هود: ١٠٢] "، وفي "صحيح البخاريّ" عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"من كانت عنده مظلمة لأخيه، فليتحلل منها، فإنه ليس ثَمّ دينار، ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات، أُخذ من سيئات أخيه، فطُرحت عليه".
قوله:"يا عبادي كلكم ضالّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع، إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم".
هذا يقتضي أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جَلْب مصالحهم، ودَفْع مضارّهم في أمور دينهم ودنياهم، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم شيئًا من ذلك كلّه، وأن من لم يتفضل الله عليه بالْهُدى والرزق، فإنه يُحْرَمهما في الدنيا، ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه، أوبقته خطاياه في الآخرة، قال الله تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}[الكهف: ١٧]، ومثل هذا كثير في القرآن، وقال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)} [فاطر: ٢]، وقال:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود: ٦]، وقال تعالى حاكيًا عن آدم وزوجه - عليهما السلام - أنهما قالا:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣]، وعن نوح - عليه الصلاة والسلام - أنه قال:{وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[هود: ٤٧].
(١) رواه أحمد ٥/ ٧٢، وفيه عليّ بن زيد بن جُدعان، وهو ضعيف.