للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد استَدَلّ إبراهيم الخليل - عليه السلام - بتفرّد الله بهذه الأمور على أنه لا إله غيره، وأن كل ما أُشرك معه باطل، فقال لقومه: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: ٧٥ - ٨٣]، فإن من تفرَّد بخلق العبد، وبهدايته، وبرزقه، وإحيائه، وإماتته في الدنيا، وبمغفرة ذنوبه في الآخرة مستحقّ أن يُفْرد بالإلهية، والعبادة، والسؤال، والتضرع، والاستكانة له، قال الله - عز وجل -: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠)} [الروم: ٤٠].

وفي الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم، من الطعام، والشراب، والكسوة، وغير ذلك، كما يسألونه الهداية، والمغفرة، وفي الحديث: "لِيَسْأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى شِسَع نَعْله إذا انقطع" (١).

وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه، حتى مِلْح عجينه، وعَلَفَ شاتِه، وفي الإسرائيليات أن موسى - عليه السلام - قال: "يا رب إنه ليَعْرض لي الحاجة من الدنيا، فأستحي أن أسألك، قال: سَلْني حتى ملح عجينك، وعلف حمارك"، فإن كل ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله، فقد أظهر حاجته فيه، وافتقاره إلى الله، وذاك يحبه الله، وكان بعض السلف يستحي من الله أن يسأله شيئًا من مصالح الدنيا، والاقتداء بالسُّنَّة أَولى.

وقوله: "كلكم ضالّ إلا من هديته" قد ظنّ بعضهم أنه معارِض لحديث عياض بن حمار، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول الله - عز وجل -: "خلقت عبادي حنفاء - وفي رواية - مسلمين، فاجتالتهم الشياطين" (٢) وليس كذلك، فإن الله خلق بني آدم، وفَطَرهم على قبول الإسلام، والميل إليه دون غيره، والتهيؤ، والاستعداد له بالقوّة، لكن لا بدّ للعبد من تعلّم الإسلام بالفعل، فإنه قبل التعلّم جاهل لا يعلم،


(١) حسّنه بعضهم.
(٢) رواه مسلم، وأحمد، وابن حبّان.