له: اكتب رزقه، وأجَله، وعمله، وشقيٌّ، أو سعيد"، فهكذا الفرق أيضًا ثابت في حقّ الله تعالى.
ونظير ما ذكره من كتابته على نفسه كما تقدم، قوله تعالى:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: ٤٧]، وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "يا معاذ أتدري ما حقّ الله على عباده؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حقّه عليهم أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، أتدري ما حقّ العباد على الله، إذا فعلوا ذلك؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حقهم عليه ألا يعذبهم"، ومنه قوله في غير حديث: كان حقًّا على الله أن يفعل به كذا، فهذا الحقّ الذي عليه هو أَحَقَّه على نفسه بقوله.
ونظير تحريمه على نفسه، وإيجابه على نفسه، ما أخبر به من قَسَمه ليفعلنّ، وكلمته السابقة؛ كقوله:{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ}[يونس: ١٩]، وقوله:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ}[الأعراف: ١٨]، {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}[إبراهيم: ١٣]، {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}[آل عمران: ١٩٥]، {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ}[الأعراف: ٦]، ونحو ذلك من صيغ القَسَم المتضمنة معنى الإيجاب، والمعنى، بخلاف القَسَم المتضمن للخبر المحض، ولهذا قال الفقهاء: اليمين إما أن توجب حقًّا، أو منعًا، أو تصديقًا، أو تكذيبًا، وإذا كان معقولًا في الإنسان أنه يكون آمرًا مأمورًا؛ كقوله:{إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}[يوسف: ٥٣]، وقوله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠)} [النازعات: ٤٠] مع أن العبد له آمر وناهٍ فوقه، والربّ الذي ليس فوقه أحد لَأَنْ يُتصوّر أن يكون هو الآمر الكاتب على نفسه الرحمة، والناهي المحرِّم على نفسه الظلم أَولى وأحرى، وكتابته على نفسه ذلك تستلزم إرادته لذلك، ومحبته له، ورضاه بذلك، وتحريمه الظلم على نفسه، يستلزم بغضه لذلك، وكراهته له وإرادته، ومحبّتُهُ للفعل توجب وقوعه منه، وبغضه له، وكراهته لأن يفعله يمنع وقوعه منه، فأما ما يحبه، ويبغضه من أفعال عباده، فذلك نوع آخر، ففَرْق بين فعله هو، وبين ما هو مفعول مخلوق له، وليس في مخلوقه ما هو ظلم منه، وإن كان بالنسبة إلى فاعله الذي هو الإنسان هو ظلم، كما أن أفعال الإنسان