للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعِلمه، قال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم: ٢٩، ٣٠] فأمر نبيّه - صلى الله عليه وسلم - بأن يُعرض عمن كان معرضًا عن ذِكر الله، ولم يكن له مراد إلا ما يكون في الدنيا، وهذه حال من فسد قلبه، ولم يذكر ربه، ولم يُنب إليه، فيريد وجهه، ويخلص له الدين، ثم قال: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}، فأخبر أنهم لم يحصل لهم عِلم فوق ما يكون في الدنيا، فهي أكبر همّهم، ومبلغ علمهم، وأما المؤمن فأكبر همه هو الله، وإليه انتهى علمه، وذِكره، وهذا الآن (١) باب واسع عظيم قد تكلمنا عليه في مواضعه.

وإذا كان التوحيد أصل صلاح الناس، والإشراك أصل فسادهم، والقسط مقرون بالتوحيد؛ إذ التوحيد أصل العدل، وإرادة العلوّ مقرونة بالفساد؛ إذ هو أصل الظلم، فهذا مع هذا، وهذا مع هذا كالملزوزين في قَرَنٍ، فالتوحيد، وما يَتْبعه من الحسنات، هو صلاح وعدل، ولهذا كان الرجل الصالح هو القائم بالواجبات، وهو البِرّ، وهو العدل، والذنوب التي فيها تفريط، أو عدوان في حقوق الله تعالى، وحقوق عباده هي فساد وظلم، ولهذا سمى قُطاع الطريق مفسدين، وكانت عقوبتهم حقًّا لله تعالى؛ لاجتماع الوصفين، والذي يريد العلوّ على غيره من أبناء جنسه هو ظالم له باغٍ؛ إذ ليس كونك عاليًا عليه بأَولى من كونه عاليًا عليك، وكلاكما من جنس واحد، فالقسط والعدل أن يكونوا إخوةً كما وصف الله المؤمنين بذلك.

والتوحيد، وإن كان أصل الصلاح، فهو أعظم العدل، ولهذا قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)} [آل عمران: ٦٤] ولهذا كان تخصيصه بالذكر في مثل قوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: ٢٩] لا يمنع أن يكون داخلًا في القسط، كما أن ذِكر العمل الصالح بعد الإيمان لا يمنع أن يكون داخلًا في الإيمان، كما في قوله: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨]، و {مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ} [الأحزاب: ٧] هذا إذا قيل


(١) كذا النسخة، والظاهر أنه مصحّف من: هذا الباب، فليُحرّر، والله تعالى أعلم.