إن اسم الإيمان يتناوله، سواء قيل إنه في مثل هذا يكون داخلًا في الأول، فيكون مذكورًا مرتين، أو قيل: بل عَطْفه عليه يقتضي أنه ليس داخلًا فيه هنا، وإن كان داخلًا فيه منفردًا، كما قيل مئل ذلك في لفظ الفقراء والمساكين، وأمثال ذلك، مما تتنوع دلالته بالإفراد والاقتران، لكن المقصود أن كل خير فهو داخل في القسط والعدل، وكل شرّ فهو داخل في الظلم.
ولهذا كان العدل أمرًا واجبًا في كل شيء، وعلى كل أحد، والظلم محرّمًا في كل شيء، ولكل أحد، فلا يحلّ ظلم أحد أصلًا، سواء كان مسلمًا، أو كافرًا، أو كان ظالمًا، بل الظلم إنما يباح، أو يجب فيه العدل عليه أيضًا، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ}[المائدة: ٨]- أي: لا يحملنّكم - {شَنَآنُ}[المائدة: ٨]- أي: بُغض - {قَوْمٍ} - وهم الكفار - {عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} - على عدم العدل - {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وقال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤]، وقال تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[النحل: ١٢٦]، وقال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: ٤٠].
وقد دلّ على هذا قوله في الحديث:"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا"، فإن هذا خطاب لجميع العباد أن لا يظلم أحدٌ أحدًا، وأَمْرُ العالم في الشريعة مبنيّ على هذا، وهو العدل في الدماء، والأموال، والأبضاع، والأنساب، والأعراض، ولهذا جاءت السُّنَّة بالقِصاص في ذلك، ومقابلة العادي بمثل فعله، لكن المماثلة قد يكون عِلمها، أو عملها متعذّرًا، أو متعسرًا، ولهذا يكون الواجب ما يكون أقرب إليها بحسب الإمكان، ويقال: هذا أمثل، وهذا أشبه، هذه الطريقة المثلى، لمّا كان أمثل بما هو العدل والحقّ في نفس الأمر؛ إذ ذاك معجوز عنه، ولهذا قال تعالى:{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[الأنعام: ١٥٢]، فذكر أنه لم يكلف نفسًا إلا وُسْعها حين أمر بتوفية الكيل والميزان بالقسط؛ لأن الكيل لا بدّ له أن يَفْضل أحد المكيلين على الآخر، ولو بحبة أو حبات، وكذلك التفاضل في الميزان، قد يحصل بشيء يسير، لا يمكن الاحتراز منه، فقال تعالى:{لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[الأعراف: ٤٢].