وهذا القول الجامع بالمغفرة لكل ذنب للتائب منه، كما دلّ عليه القرآن والحديث، هو الصواب عند جماهير أهل العلم، وإن كان من الناس من يستثني بعض الذنوب؛ كقول بعضهم: إن توبة الداعية إلى البدع لا تُقبل باطنًا للحديث الإسرائيليّ الذي فيه: فكيف من أضللت؟، وهذا غلطٌ، فإن الله قد بَيَّن في كتابه، وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠)} [البروج: ١٠]، قال الحسن البصريّ: انظروا إلى هذا الكرم، عذبوا أولياءه، وفَتَنُوهم، ثم هو يدعوهم إلى التوبة، وكذلك توبة القاتل، ونحوه، وحديث أبي سعيد المتّفق عليه في الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، يدلّ على قبول توبته، وليس في الكتاب والسُّنَّة ما ينافي ذلك، ولا نصوص الوعيد فيه، وفي غيره من الكبائر بمنافية لنصوص قبول التوبة، فليست آية الفرقان بمنسوخة بآية النساء؛ إذ لا منافاة بينهما، فإنه قد عُلِم يقينًا أن كل ذنب فيه وعيد، فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة؛ إذ نصوص التوبة مبيّنة لتلك النصوص؛ كالوعيد في الشرك، وأكْل الربا، وأكْل مال اليتيم، والسحر، وغير ذلك من الذنوب، ومن قال من العلماء: توبته غير مقبولة فحقيقة قوله التي تلائم أصول الشريعة أن يراد بذلك: أن التوبة المجردّة تُسقط حقّ الله من العقاب، وأما حق المظلوم فلا يسقط بمجرد التوبة، وهذا حقّ، ولا فرق في ذلك بين القاتل، وسائر الظالمين، فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حقّ المظلوم، لكن من تمام توبته أن يُعَوِّضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بدّ له من العِوَض في الآخرة، فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يَبْقَ مفلسًا، ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوّض المظلوم من عنده فلا رادّ لفضله، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، ولهذا في حديث القصاص الذي ركب فيه جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس شهرًا، حتى شافهه به، وقد رواه الإمام أحمد، وغيره، واستشهد به البخاريّ في "صحيحه"، وهو من جنس حديث الترمذيّ صحاحه، أو حسانه، قال فيه: "إذا كان يوم القيامة، فإن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد، يُسمعهم الداعي، ويَنفذُهم البصر، ثم يناديهم بصوت يسمعه