للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَن بَعُد كما يسمعه من قَرُب: أنا الملِك، أنا الديّان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حقّ حتى أقصّه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، وله عند رجل من أهل النار حقّ حتى أقصّه منه"، فبيَّن في الحديث العدل والقصاص بين أهل الجنة وأهل النار.

وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي سعيد: "إن أهل الجنة إذا عَبَروا الصراط، وُقِفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيُقتصّ لبعضهم من بعض، فإذا هُذِّبوا، ونُقُّوا أُذن لهم في دخول الجنة"، وقد قال - سبحانه وتعالى - لمّا قال: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: ١٢] والاغتياب من ظلم الأعراض، قال: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: ١٢]، فقد نبّههم على التوبة من الاغتياب، وهو من الظلم.

وفي الحديث الصحيح: "من كان عنده لأخيه مظلمة في دم، أو مال، أو عِرض، فليأته، فليستحلّ منه قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار، إلا الحسنات والسيئات، فإن كان له حسنات، وإلا أُخذ من سيئات صاحبه، فطُرحت عليه، ثم يُلقَى في النار"، أو كما قال، وهذا فيما عَلِمه المظلوم من العوض (١)، فأما إذا اغتابه، أو قذفه، ولم يعلم بذلك، فقد قيل: من شرط توبته إعلامه، وقيل: لا يُشترط ذلك، وهذا قول الأكثرين، وهما روايتان عن أحمد، لكن قوله مثل هذا أن يفعل مع المظلوم حسنات؛ كالدعاء له، والاستغفار، وعمل صالح يُهدى إليه يقوم مقام اغتيابه وقَذْفه، قال الحسن البصريّ: كفارة الغِيبة أن تستغفر لمن اغتبته.

وأما الذنوب التي يُطلق الفقهاء فيها نفي قبول التوبة، مثل قول أكثرهم: لا تُقبل توبة الزنديق، وهو المنافق، وقولهم: إذا تاب المحارب قبل القدرة عليه تَسقط عنه حدود الله، وكذلك قول كثير منهم، أو أكثرهم في سائر الجرائم، كما هو أحد قولي الشافعيّ، وأصح الروايتين عن أحمد، وقولهم في


(١) هكذا النسخة، ولعل الأَولى إسقاط "من العوض"، أو أنها مصحّفة من لفظ آخر، والله تعالى أعلم.