للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} [الشورى: ٤٠] إلى قوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الآية [الشورى: ٤٠].

والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قَصَد بقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: ٣٢]، وقوله: {ظَلَمْتُ نَفْسِي} [النمل: ٤٤]، {إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء: ٦٤]، وغيرها من الآيات.

وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظُلم للنفس؛ فإن الإنسان في أول ما يَهُمّ بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذًا الظالم أبدًا مبتدئ في الظلم، ولهذا قال تعالى في غير موضع: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: ٣٣]، {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: ٥٧]، وغير ذلك. انتهى كلام الراغب - رحمه الله - (١).

وقال المناويّ - رحمه الله -: الظلم هو مجاوزة الحدّ والتعدّي على الخلق، قال: وذلك لأن الشرائع تطابقت على قبحه، واتفقت جميع الملل على رعاية حفظ الأنفس، فالأنساب، فالأعراض، فالعقول، فالأموال.

والظلم يقع في هذه، أو في بعضها، وأعلاه الشرك: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]، وهو المراد بالظلم في أكثر الآيات، {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٥٤]، ويدخل فيه ظُلم الإنسان لنفسه بارتكاب المعاصي؛ إذ العصاة ظُلّام أنفسهم، وأقبح أنواعه ظلم من ليس له ناصر إلا الله تعالى، قال ابن عبد العزيز (٢): إياك إياك أن تظلم من لا ينتصر عليك إلا بالله، فإنه تعالى إذا عَلِم التجاء عبده إليه بصدق واضطرار، انتصر له فورًا، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: ٦٢]. انتهى (٣).

(فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال القاضي عياض: قيل: هو على ظاهره، فيكون ظلمات على صاحبه، لا يهتدي يوم القيامة سبيلًا حين يسعى نور المؤمنين بين أيديهم، وبأيمانهم، ويَحْتَمِل أن الظلمات هنا الشدائد، وبه فسَّروا قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: ٦٣]؛ أي:


(١) "مفردات ألفاظ القرآن الكريم" ٢١/ ٨٧.
(٢) لم يتبيّن لي من هو؟ والله تعالى أعلم.
(٣) "فيض القدير" ١/ ١٣٤.