للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شدائدهما، ويَحْتَمِل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن الأرجح حَمْل الحديث على ظاهره، كما استظهره القرطبيّ (٢)؛ لأن حَمْل النصوص على ظاهرها هو الصواب، إلا لدليل يصرفها عن ظاهرها، ولا دليل هنا، فيكون الظلم ظلمات على أصحابه يوم القيامة، ولا ينافي هذا إرادة الاحتمال الثاني معه، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال المناويّ ما معناه: إن الظلم في الدنيا ظلمات على أصحابه، بمعنى: أنه يورث ظلمة في القلب، فإذا أظلم القلب تاه، وتحيّر، وتجبّر، فذهبت الهداية والبصيرة، فخَرِب القلب، فصار صاحبه في ظلمة يوم القيامة، فالظلمة معنوية، لَمّا كان الظلم مفضيًا بصاحبه إلى الضلال الذي هو ضدّ الهدى، كان جديرًا بالتشبيه بالظُّلمة، كما في ضدّه من تشبيه الهداية بالنور، وقيل: حسيّة، فيكون ظلمه ظلمات عليه، فلا يهتدي في القيامة بسببه، وغيره من المؤمنين يسعى نوره بين يديه.

قال الحرانيّ: والظلمة ما يطمس الباديات حسًّا أو معنى.

وقال الزمخشريّ: هي عدم النور، وانطماسه بالكلية، وقيل: عرض ينافي النور، من قولهم: ما ظلمك أن تفعل كذا؛ أي: ما مَنَعك، وشَغَلك؛ لأنها تَسُدّ البصر، وتمنع الرؤية. انتهى (٣).

وقال الطيبيّ: أفرد المبتدأ - يعني: قوله: "فإن الظلم" - وجَمَع الخبر - يعني: قوله: "الظلمات" - دلالةً على إرادة الجنس، واختلاف أنواع الظلم الذي هو سبب لأنواع الشدائد في القيامة، من الوقوف في العرصات، والحساب، والمرور على الصراط، وأنواع العقاب في النار، ثم عَطَف الشحّ الذي هو نوع من أنواع الظلم على الظلم؛ ليُشعر بأن الشحّ أعظم أنواعه؛ لأنه من نتيجة حبّ الدنيا وشهواتها، ومن ثَمّ علّله بقوله: "فإن الشحّ أهلك من كان قبلكم"، ثم علّله بقوله: "حملهم على أن سفكوا الدماء" على سبيل


(١) "إكمال المعلم" ٧/ ٤٨.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٥٦.
(٣) "فيض القدير" ١/ ١٣٤.