للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاستئناف، فإن استحلال المحارم جامع لجميع أنواع الظلم، من الكفر، والمعاصي، وعَطْفُهُ على سفك الدماء مِنْ عَطْف العامّ على الخاصّ عكس الأول، وإنما كان الشحّ سبب سفك الدماء، واستحلال المحارم؛ لأن في بذل الأموال، ومواساة الإخوان التحابَّ والتواصلَ، وفي الإمساك والشحّ التهاجرَ والتقاطعَ، وذلك يؤدّي إلى التشاجر، والتغاور مِنْ سَفْك الدماء، واستباحة المحارم. انتهى (١).

(وَاتَّقُوا الشُّحَّ) بالضمّ: البخل، وشحّ يشِحّ، من باب قتل، وفي لغة من بابي ضرب، وتَعِبَ، فهو شحيحٌ، وقومٌ أشحّاء، وأشحّة، وتشاحّ القوم بالتضعيف: إذا شَحّ بعضهم على بعض، قاله الفيّوميّ (٢).

وقال القرطبيّ: الشحّ: الحرص على تحصيل ما ليس عندك، والبخل: الامتناع من إخراج ما حصل عندك. وقيل: إن الشحّ هو البخل مع حرص. يقال منه: شَحِحتُ بالكسر أَشَحّ، أو شَحَحت بالفتح أَشُحّ، بالضم، ورجل شحيح، وقوم شِحاحٌ، وأشحّاء. انتهى (٣).

وقال النوويّ: قال جماعة: الشحّ: أشدّ البخل، وأبلغ في المنع من البخل، وقيل: هو البخل مع الحرص، وقيل: البخل في أفراد الأمور، والشحّ عامّ، وقيل: البخل في أفراد الأمور، والشحّ بالمال والمعروف، وقيل: الشحّ: الحرص على ما ليس عنده، والبخل بما عنده. انتهى (٤).

(فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)؛ أي: من بني إسرائيل، وغيرهم، (حَمَلَهُمْ)؛ أي: أغراهم الشحّ (عَلَى أَنْ سَفَكُوا)؛ أي: أراقوا (دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ") قال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا هو الهلاك الذي حَمَل عليه الشحّ؛ لأنَّهم لمّا فعلوا ذلك أتلفوا دنياهم وأخراهم، وهذا كما قال في الحديث الآخر: "إياكم والشحّ، فإنَّه أهلك من كان قبلكم، أمَرَهم بالبخل


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٥٢٥ - ١٥٢٦.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٣٠٦.
(٣) "المفهم" ٦/ ٥٥٧.
(٤) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٣٤.