للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَصْف المفلس، لا عن حقيقته، ومن ثَمّ أجاب - صلى الله عليه وسلم - بوصفه بقوله: "شتم"، و"أكل"، و"قذف"، وفي "مشارق الأنوار"، وبعض نُسخ "المصابيح": "من المفلس؟ "، وهذا السؤال سؤال إرشاد، لا استعلام، ولذلك قال: "إن المفلس كذا وكذا. . .". انتهى كلام الطيبيّ - رحمه الله - (١).

وتعقّبه القاري قائلًا: قلت: الظاهر أن المراد بقوله: "ما المفلس؟ ": من المفلس؟ بدليل ما بعده في جواب الصحابة - رضي الله عنهم -، وفي كلامه - صلى الله عليه وسلم - أيضًا من التعبير بـ "مَنْ". انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: حاصل تعقّب القاري أن "ما" هنا بمعنى التي هي للعاقل؛ لأنها تُستعمل للعاقل، كما قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣]، والله أعلم.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "أتدرون ما المفلس؟ " كذا صحت الرواية بـ "ما"، فقد وقعت هنا على من يعقل، وأصلها لِمَا لا يعقل، والمفلس: اسم فاعل من أفلس: إذا صار مفلسًا؛ أي: افتتر، وكأنه صارت دراهمه فلوسًا، كما يقال: أجبن الرجل: إذا صار أصحابه جبناء، وأقطف: إذا صارت دابته قَطُوفًا - أي: بطيئةً -. انتهى (٣).

وقال النوويّ - رحمه الله -: معناه: أن هذا حقيقة المفلس، وأما من ليس له مال، ومن قلّ ماله، فالناس يسمّونه مفلسًا، وليس هو حقيقة المفلس؛ لأن هذا أمر يزول، وينقطع بموته، وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته، وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث، فهو الهالك الهلاكَ التامَّ، والْمُعْدِم الإعدام المقطوع، فتؤخذ حسناته لغرمائه، فإذا فَرَغت حسناته أُخذ من سيئاتهم، فوُضع عليه، ثم أُلقي في النار، فتمَّت خسارته، وهلاكه، وإفلاسه.

قال المازريّ: زعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارِضٌ لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥] وهذا الاعتراض غَلَطٌ منه، وجهالة بَيِّنة؛ لأنه إنما عوقب بفعله، ووِزره، وظُلمه، فتوجهت عليه حقوقٌ لغرمائه، فدُفعت


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣٢٥٥.
(٢) "المرقاة شرح المشكاة" ٨/ ٨٥٠.
(٣) "المفهم" ٦/ ٥٦٣.