للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إليهم من حسناته، فلمّا فرغت، وبقيت بقية قوبلت على حسب ما اقتضته حكمة الله تعالى في خَلْقه، وعَدْله في عباده، فأُخذ قَدْرها من سيئات خصومه، فوُضع عليه، فعوقب به في النار، فحقيقة العقوبة إنما هي بسبب ظُلمه، ولم يعاقَب بغير جناية، وظُلم منه، وهذا كله مذهب أهل السُّنَّة، والله أعلم. انتهى (١).

(قَالُوا)؛ أي: الصحابة الذين وُجّه إليهم السؤال: (الْمُفْلِسُ فِينَا) معاشر بني آدم، (مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ) له؛ أي: مما يحصل به التمتع، من الأقمشة، والعَقار، والمواشي، ونحو ذلك، أجابوه بما هو معروف لديهم بحسب عُرْف أهل الدنيا، كما يدلّ عليه قولهم: "فينا"، وكان الأَولى بهم فعل ما كانوا عليه في غالب الأحوال في مثل هذا السؤال، وهو قولهم: الله ورسوله أعلم؛ لأن ما أجابوا به كان واضحًا لا يخفى عليه - صلى الله عليه وسلم -، (فَـ) ــلما أجابوه بهذا (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - مبيّنًا لهم ما هو الجواب الصحيح المطلوب منهم أن يعلموه: ("إِنَّ الْمُفْلِسَ) بكسر "إنّ" لوقوعها محكيّة بـ "قال أي: إن المفلس الحقيقيّ، وهو المفلس في الآخرة، (مِنْ أُمَّتِي)؛ أي: أمة الإجابة، ولو كان غنيًّا في الدنيا بالدرهم والمتاع، (مَنْ يَأْتِي (٢) يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ) الباء للمصاحبة؛ أي: مصاحبًا لصلاة (وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ)؛ أي: مقبولات؛ لأن غير المقبول لا اعتبار به، (وَيَأْتِي) حال كونه (قَدْ شَتَمَ هَذَا) الشخص، (وَقَذَفَ هَذَا)؛ أي: رماه بالزنا ونحوه، (وَأَكَلَ) بالباطل (مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ)؛ أي: أراق (دَمَ هَذَا) بغير حقّ، (وَضَرَبَ هَذَا) بغير استحقاق، أو بالزيادة على ما يستحقّه، والمراد: أنه جمع بين تلك العبادات، وهذه السيّئات، ويَحْتَمِل أن تكون الواو بمعنى "أو"، لكن لفظ المفلس يلائم كثرة المعاصي الموجبة لإفلاسه، قاله القاري - رحمه الله - (٣). (فَيُعْطَى) بالبناء للمفعول، (هَذَا) المظلوم (مِنْ حَسَنَاتِهِ)؛ أي: بعض حسنات الظالم، (وَهَذَا)؛ أي: ويُعطى هذا المظلوم الآخَر (مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ) بكسر النون، من باب تَعِب، (حَسَنَاتُهُ)؛ أي: حسنات الظالم، من الصلاة،


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٣٥ - ١٣٦.
(٢) وفي نسخة: "يأتي" بحذف "من".
(٣) "المرقاة شرح المشكاة" ٨/ ٨٥٠.