للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والصيام، والزكاة، (قَبْلَ أَنْ يُقْضَى) بالبناء للمفعول، ونائب فاعله قوله: (مَا عَلَيْهِ)؛ أي: قبل أن يؤدَّى الذي استقرّ عليه من المظالم، (أُخِذَ) بالبناء للمفعول أيضًا، (مِنْ خَطَايَاهُمْ)؛ أي: من سيّئات المظلومين، (فَطُرِحَتْ) بالبناء للمفعول؛ أي: رُميت، وأُلقيت تلك الخطايا (عَلَيْهِ)؛ أي: على الظالم الذي فنِيت حسناته قبل قضاء ما عليه، (ثُمَّ طُرِحَ) بالبناء للمفعول أيضًا؛ أي: رُمي، وألقي ذلك الظالم (فِي النَّارِ") بسبب ما طُرح عليه من سيّئات المظلومين.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة" الحديث؛ أي: هذا أحقّ باِسْم المفلس؛ إذ تؤخذ منه أعماله التي تَعِب في تصحيحها بشروطها، حتى قُبلت منه، فلما كان وقت فَقْره إليها أُخذت منه، ثم طُرح في النار، فلا إفلاس أعظم من هذا، ولا أخسر صفقةً ممن هذه حاله، ففيه ما يدلّ على وجوب السعي في التخلي من حقوق الناس في الدنيا بكل ممكن، والاجتهاد في ذلك، فإنْ لم يجد إلى ذلك سبيلًا فالإكثار من الأعمال الصالحة، فلعله بعد أَخْذ ما عليه تبقى له بقيّة راجحةٌ، والمرجوّ من كرم الكريم لمن صحّت في الأداء نيّته، وعَجز عن ذلك قُدْرته أن يُرضي الله عنه خصومه، فيغفر للمطالب والمطلوب، ويوصلهم إلى أفضل محبوب، وقد تقدَّم ذِكر من قال: إن الصوم لا يؤخذ مما عليه من الحقوق، وبيّنّا ما يَرُدّ عليه، وبماذا ينفصل عنه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "لمن صحّت نيّته. . . إلخ" قد ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أَدَّى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله". انتهى (٢).

والحاصل أن من أخذ أموال الناس بنيّة صالحة، من أدائها إليهم إذا طلبوها منه، ثم لم يستطع على أدائها لهم، فإن الله تعالى يؤدّيها عنه بنيّته الصالحة، وذلك بأن يعوّض الله سبحانه وتعالى أصحاب الحقوق من الجنة ما يرضون عنه، {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران: ٧٤].


(١) "المفهم" ٦/ ٥٦٣ - ٥٦٤.
(٢) "صحيح البخاريّ" ٢/ ٨٤١.