مهملة: هي التي لا قرون لها، وفي رواية:"الجمّاء" بالجيم، ثم الميم المشدّدة، والمعنى واحد. (مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) التي لها قَرْن، قال ابن الملك؛ أي: لو نطحت شاة قرناء شاة جلحاء في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة يؤخذ القرن من القرناء، ويعطى الجلحاء حتى تقتص لنفسها من الشاة القرناء.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قال: "يؤخذ القرن. . . إلخ"، أخْذ القرن من القرناء، وإعطاؤه للجلحاء لا يدلّ عليه سياق الحديث، فيحتاج إلى دليل، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال:[فإن قيل]: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟.
[قلنا]: إن الله تعالى فعّال لِمَا يريد، ولا يُسأل عما يفعل، والغرض منه إعلام العباد بأن الحقوق لا تضيع، بل يُقتص حق المظلوم من الظالم. انتهى.
قال القاري: وهو وجه حسنٌ، وتوجيه مستحسنٌ، إلا أن التعبير عن الحكمة بالغرض وقع في غير موضعه، وجملة الأمر أن القضية دالّة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافّة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوي والضعيف. انتهى (١).
وقال القرطبيّ: وقد حُكي: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - حَمَل هذا الحديث على ظاهره، فقال: يؤتى بالبهائم، فيقال لها: كوني ترابًا، وذلك بعدما يقاد للجمّاء من القرناء، وحينئذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا.
وقد قيل في معنى الحديث: إن المقصود منه التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص، والإغياء فيه حتى يُفهم منه أنه لا بُدّ لكل أحد منه، وأنه لا محيص له عنه، ويتأكّد هذا بما جاء في هذا الحديث عن بعض رواته من الزيادة، فقال:"حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء، وللحجر لِمَ ركب على الحجر؟ وعلى العود لِمَ خَدَش العود؟ "، فظهر من هذا أن المقصود منه التمثيل المفيد للإغياء والتهويل؛ لأنَّ الجمادات لا يُعقل خطابها، ولا ثوابها، ولا عقابها، ولم يَصِر إليه أحد من العقلاء، ومُتَخيِّله من جملة المعتوهين الأغبياء،