للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَإِذَا أَخَذَهُ) ولفظ البخاريّ: "حتى إذا أخذه"، (لَمْ يُفْلِتْهُ")؛ أي: لم يُطلقه، ولم ينفلت منه، قال أهل اللغة: أفلته: أطلقه، وانفلت: تخلّص منه، قاله النوويّ (١).

وقال في "الفتح": "لم يُفلته" بضمّ أوله من الرباعيّ؛ أي: لم يُخَلِّصه؛ أي: إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك، قال الحافظ: وهذا على تفسير الظلم بالشرك على إطلاقه، وإن فُسِّر بما هو أعمّ، فيُحْمَل كل على ما يليق به، وقيل: معنى لم يُفلته: لم يؤخره، وفيه نظرٌ؛ لأنه يَتبادر منه أن الظالم إذا صُرف عن منصبه، وأُهين لا يعود إلى عزّه، والمشاهَد في بعضهم بخلاف ذلك، فالأَولى حَمْله على ما قدّمته، والله أعلم. انتهى (٢).

(ثُمَّ قَرَأَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مصداق ذلك من كتاب الله - عز وجل - ({وَكَذَلِكَ}) الكاف لتشبيه الأخذ المستقبل بالأخذ الماضي، ({أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى} أتى باللفظ الماضي موضع المضارعة، على قراءة طلحة بن مُصَرّف "أخذ" بفتحتين في الأول كالثاني مبالغةً في تحققه، وقوله: ({وَهِيَ ظَالِمَةٌ}) جملة حاليّة من "القرى{إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}) قال إمام المفسّرين أبو جعفر الطبريّ - رحمه الله - في "تفسيره": يقول تعالى ذِكْرُهُ: وكما أخذتُ أيها الناس أهل هذه القرى التي اقتصصت عليكم نبأ أهلها بما أخذتهم به من العذاب على خلافهم أمري، وتكذيبهم رسلي، وجحودهم آياتي، فكذلك أخذي القرى وأهلها، وإذا أخَذْتهم بعقابي، وهم ظَلَمة لأنفسهم بكفرهم بالله، وإشراكهم به غيره، وتكذيبهم رسله، {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ} يقول: إن أخْذ ربكم بالعقاب مَن أَخَذه أليم، يقول: موجع شديد الإيجاع، وهذا أمْر من الله تعالى، تحذير لهذه الأمة أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة، فيَحِلّ بهم ما حَلّ بهم من الْمَثُلات. انتهى (٣).

وقال أبو السعود - رحمه الله - في "تفسيره": {وَكَذَلِكَ}؛ أي: ومثلُ ذلك الأخذِ الذي مرّ بيانه، وهو رفع على الإبتداء، وخبره قوله: {أَخْذُ رَبِّكَ} وقرئ: أَخَذَ


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٣٧.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٢٢٥.
(٣) "تفسير الطبريّ" ١٢/ ١١٤.