للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بإبطال ذلك، وفصل القضايا بالأحكام الشرعية، فإذا اعتدى إنسان على آخر حَكَم القاضي بينهما، وألزمه مقتضى عدوانه، كما تقرر من قواعد الإسلام. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: دعوى الجاهلية: تَنادِيهِم عند الغضب، والاستنجاد: يا آل فلان! يا بني فلان! وهي التي عَنَاها - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "دعوها فإنَّها منتنة"؛ أي: مستخبَثة، قبيحة؛ لأنَّها تثير التعصُّب على غير الحقّ، والتقاتل على الباطل، ثم إنها تجُرّ إلى النار، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "من دعا بدعوى الجاهلية، فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار" (٢). وقد أبدل الله تعالى من دعوى الجاهلية دعوى المسلمين، فيُنادَى: يا للمسلمين! كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين"، وكما نادى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين طُعن: يا لَله للمسلمين! فاذا دعا بها المسلم وجبت إجابته، والكشف عن أمره على كل من سمعه، فإن ظهر أنه مظلوم نُصِر بكل وجه ممكن شرعيّ؛ لأنه إنما دعا المسلمين لينصروه على الحقّ، وإن كان ظالِمًا كُفّ عن الظلم بالملاطفة، والرفق، فإن نَفَع ذلك، وإلا أُخذ على يده، وكُفّ عن ظلمه، فإنَّ الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمّهم الله بعقاب من عنده، ثم يدعونه فلا يستجاب لهم. انتهى.

(قَالُوا)؛ أي: الصحابة الحاضرون: (لَا)؛ أي: ليست هذه دعوة جاهليّة، (يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا أَنَّ غُلَامَيْنِ اقْتَتَلَا)؛ أي: تضاربا، (فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ) بسين مخففة، مهملة؛ أي: ضَرَب دُبُره، وعجيزته بيد، أو رِجْل، أو سيف، وغيره، قاله النوويّ - رحمه الله -.


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٣٧.
(٢) أخرج أحمد، والترمذيّ عن الحارث الأشعريّ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "آمركم بخمس: بالجماعة، والسمع والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، وإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جُثى جهنم، وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم"، وقال الترمذيّ: حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة، وابن حبّان، والحاكم.
و"جثى جهنم" بضم الجيم، والقصر؛ أي: جماعتها.