للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: في "الصحاح": الكسع: أن تضرب دُبُر الإنسان بيدك، أو بصدر قدمك، يقال: اتبع فلان أدبارهم يَكْسَعهم بالسيف، مثل: يكسؤهم؛ أي: يطردهم، ومنه قول الشاعر [من الكامل]:

كُسِعَ الشَّتَاءُ بِسَبْعَةٍ غُبْرِ … أَيَّامِ شَهْلَتِنَا مِنَ الشَّهْرِ

ووردت الخيلُ يكسع بعضُها بعضًا. انتهى (١).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَلَا بَأْسَ)؛ أي: فلا شدّة فيما وقع، وقال النوويّ - رحمه الله -: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في آخر هذه القصة: "لا بأس" فمعناه: لم يحصل من هذه القصة بأس مما كنت خِفته، فإنه خاف أن يكون حدث أمر عظيم، يوجب فتنةً، وفسادًا، وليس هو عائدًا إلى رفع كراهة الدعاء بدعوى الجاهلية. انتهى (٢).

ثم أرشدهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الطريق السويّ الذي يجب على المسلمين أن يسلكوه، وهو ما أوضحه بقوله: (وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ) الشخص، فليس خاصًّا بالرجل، بل المرأة كذلك، (أَخَاهُ) في الدِّين، أو النسب، حال كونه (ظَالِمًا) لغيره (أَوْ مَظْلُومًا) من غيره، ثم بيّن وجه نَصْره في الحالتين، فقال: (إِنْ كَانَ) الأخ (ظَالِمًا) لغيره (فَلْيَنْهَهُ)؛ أي: ليمنعه من الظلم، (فَإِنَّهُ)؛ أي: نهيه عن الظلم (لَهُ نَصْرٌ) حيث نصره على نفسه الأمّارة بالسوء، وعدوّه الشيطان، (وَإِنْ كَانَ) الأخ (مَظْلُومًا) من غيره (فَلْيَنْصُرْهُ") بمنع ظالمه مِن ظُلمه.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "انصر أخاك ظالِمًا أو مظلومًا" هذا من الكلام البليغ الوجيز الذي قلّ من ينسج على مِنْوَاله، أو يأتي بمثاله، و"أو" فيه للتنويع والتقسيم، وإنما سُمّي نهي الظالم نصرًا؛ لأن النصر هو العون، ومنه قولهم: أرض منصورة؛ أي: معانة بالمطر، ومَنْع الظالم من الظلم عَوْن له على مصلحة نفسه، وعلى الرجوع إلى الحقّ، فكان أَولى بأن يُسمَّى نصرًا. انتهى (٣).

[تنبيه]: حديث: "انصر أخاك ظالِمًا، أو مظلومًا" أخرجه البخاريّ في "صحيحه" من حديث أنس - رضي الله عنه -، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انصر أخاك


(١) "المفهم" ٦/ ٥٥٩.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٣٨.
(٣) "المفهم" ٦/ ٥٥٩.