للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الموجودة فيه، وهو مبتدأ أولُ، وقوله: (مَا قَالَا)؛ أي: إثم قولهما من السبّ والشتم، مبتدأ ثانٍ، وقوله: (فَعَلَى الْبَادِئِ) بالهمز؛ أي: على المبتدئ، خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر الأول، والفاء إما لكون "ما" شرطية، أو لأنها موصولة متضمنة للشرط (١)، وإنما كان الإثم كله عليه؛ لأنه كان سببًا لتلك المخاصمة، قال في "اللمعات": أما إثم ما قاله البادئ فظاهر، وأما إثم الآخَر؛ فلكونه الذي حمله على السبّ، وظلمه. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "المستبَّان ما قالا، فعلى البادئ. . . إلخ" "المستبّان": تثنية مستبّ، من السبّ، وهو الشتم والذمّ، وهو مرفوع بالابتداء، و"ما" موصولة، وهي في موضع رَفْع بالابتداء أيضًا، وَصِلتها "قالا"، والعائد محذوف تقديره: قالاه، وقوله: "فعلى البادئ" خبر "ما"، ودخلت الفاء على الخبر؛ لِمَا تضمّنه الاسم الموصول من معنى الشرط، نحو قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} الآية [النحل: ٥٣]، و"ما" وخبرها خبر المبتدأ الأول الذي هو "المستبّان". انتهى (٣).

وقال الطيبيّ: يجوز أن تكون "ما" شرطية، وقوله: "فعلى البادئ" جزاؤها، أو موصولة "فعلى البادئ" خبرها، والجملة سببيّة، ومعناه: إثم ما قالاه على البادئ، إذا لم يَعْتَدِ المظلوم، فإذا تعدّى يكون عليهما، إلا إذا تجاوز غاية الحدّ، فيكون إثم القولين عليه. انتهى (٤).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "فيكون إثم القولين عليه" فيه نظر لا يخفى؛ لأن الذي يقتضيه السياق أن عليه إثم ما تجاوز به، لا إثم القولين، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.

وقوله: (مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ") "ما" مصدريّة ظرفيّة؛ أي: مدّة عدم اعتداء المظلوم على البادئ بمجاوزته الحدّ، بأن سبّه أكثر، أو أفحش منه، فإذا اعتدى كان إثم ما اعتدى عليه، والباقي على البادئ. كذا في "اللمعات".


(١) "تحفة الأحوذيّ" ٦/ ٩٨.
(٢) "عون المعبود" ١٣/ ١٦٢.
(٣) "المفهم" ٦/ ٥٦٦.
(٤) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣١١٤.