للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ - رحمه الله -: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختصّ بالبادئ منهما كلّه، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له. انتهى (١).

وقال المناويّ - رحمه الله -: "المستبّان"؛ أي: الذي يسبّ كل منهما الآخر، "ما قالا"؛ أي: إثم ما قالاه من السبّ والشتم، "فعلى البادئ منهما"؛ لأنه السبب لتلك المخاصمة، فللمسبوب أن ينتصر، ويسبّه بما ليس بقذف، ولا كذب، كيا ظالم، ولا يأثم، {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)} [الشورى: ٤١]، والعفو أفضل.

[فإن قيل]: إذا لم يسكت المسبوب، ويرى البادئ من ظلمه بوقوع التقاصّ، فكيف صح أن يقدّر فيه إثم ما قالا؟.

[قلنا]: إضافته بمعنى "في"، والمعنى: الإثم الكائن فيما قالاه، وإثم الابتداء على البادئ، ويستمرّ هذا الحكم حتى يتعدى المظلوم؛ أي: يتعدى الحدّ في السب، فلا يكون الإثم على البادئ فقط، بل عليهما، وقيل: المراد أنه يحصل إثم ما قالا، وللبادئ أكثر من المظلوم، ما لم يَتَعَدَّ، فيربو إثم المظلوم، وقيل: المعنى: أنه إذا سبّه، فردَّ عليه كان كَفَافًا، فإن زاد بالغضب، والتعصب لنفسه، كان ظالِمًا، وكان كل منهما فاسقًا. انتهى (٢).

والحاصل أنه إذا سبّ كل واحد الآخر، فإثم ما قالا على الذي بدأ في السبّ، وهذا إذا لم يتعدّ ويتجاوز المظلوم الحدّ، وإلا فعليه إثم ما جاوز به.

[تنبيه]: أخرج ابن حبّان في "صحيحه" عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله الرجل يشتمني من قومي، وهو دوني، أعليَّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال: "المستبّان شيطانان، يتهاتران، ويتكاذبان" (٣).

قال أبو حاتم: أطلق - صلى الله عليه وسلم - اسم الشيطان على المستبّ على سبيل المجاورة؛ إذ الشيطان دلّه على ذلك الفعل، حتى تهاتر، وتكاذب، لا أن المستبّين يكونان شيطانين. انتهى (٤).


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٤٠ - ١٤١.
(٢) "فيض القدير" ٦/ ٢٦٧.
(٣) حديث صحيح.
(٤) "صحيح ابن حبان" ١٣/ ٣٥.