بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)} [الشورى: ٤١]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)} [الشورى: ٣٩]، ومع هذا فالصبر، والعفو أفضل، قال الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)} [الشورى: ٤٣]، وللحديث المذكور بعد هذا:"ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا".
٣ - (ومنها): أن سباب المسلم بغير حقّ حرام، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "سِباب المسلم فسوق".
٤ - (ومنها): بيان أنه لا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبّه، ما لم يكن كذبًا، أو قذفًا، أو سبًّا لأسلافه، فمِن صُوَر المباح أن ينتصر بيا ظالم، يا أحمق، أو يا جافي، أو نحو ذلك؛ لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف، قال العلماء: إذا انتصر المسبوب استوفى ظُلامته، وبرئ الأول من حقّه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم المستحقّ لله تعالى، وقيل: يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه، ويكون معنى "على البادئ"؛ أي: عليه اللوم، والذمّ، لا الإثم، قاله النوويّ - رحمه الله - (١).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: معنى الحديث: أن المبتدئ بالسبّ هو المختصّ بإثم السبّ؛ لأنَّه ظالم به؛ إذ هو مبتدئ من غير سبّ، ولا استحقاق، والثاني منتصر فلا إثم عليه، ولا جناح، لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)} [الشورى: ٤١]، لكن السبّ المنتصَر به وإن كان مباحًا للمنتصِر، فعليه إثم من حيث هو سبّ، لكنه عائد إلى الجاني الأول؛ لأنَّه هو الذي أحْوَج المنتصر إليه، وتسبّب فيه، فيرجع إثمه عليه، ويَسْلَم المنتصر من الإثم؛ لأنَّ الشرع قد رَفَع عنه الإثم، والمؤاخذة، لكن ما لم يكن من المنتصِر عدوان إلى ما لا يجوز له، كما قال:"ما لم يَعْتَدِ المظلوم"؛ أي: ما لم يجاوز ما سبّ به إلى غيره، إما بزيادة سبّ آخر، أو بتكرار مثل ذلك السبّ، وذلك أن المباح في الانتصار أن يردّ مثل ما قال الجاني، أو يقاربه؛ لأنَّه قصاص، فلو قال له: يا كلب مثلًا فالانتصار أن يردّ عليه بقوله: بل هو الكلب، فلو كرّر هذا اللفظ مرتين، أو ثلاثًا لكان متعديًا بالزائد على الواحدة، فله الأُولى،