للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الانكسار، والتذلّل، ونقيضه: التكبّر، والترفع، والتواضع يقتضي متواضَعًا له، فإنْ كان المتواضَع له هو الله تعالى، أو من أَمَر الله بالتواضع له؛ كالرسول - صلى الله عليه وسلم -، والإمام، والحاكم، والوالد، والعالم، فهو التواضع الواجب المحمود الذي يرفع الله تعالى به صاحبه في الدنيا والآخرة، وأما التواضع لسائر الخلق فالأصل فيه أنه محمودٌ، ومندوب إليه، ومُرغّبٌ فيه، إذا قُصد به وجه الله تعالى، ومن كان كذلك رَفَع الله تعالى قَدْره في القلوب، وطيّب ذِكره في الأفواه، ورَفَع درجته في الآخرة، وأما التواضع لأهل الدنيا، ولأهل الظلم، فذلك هو الذلّ الذي لا عزّ معه، والخسّة التي لا رفعة معها، بل يترتب عليها ذلّ الآخرة، وكلُّ صفقة خاسرة - نعوذ بالله من ذلك. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).

وقال غيره: من تواضع لله في تحمّل مُؤَن خَلْقه، كفاه الله مؤنة ما يرفعه إلى هذا المقام، ومن تواضع في قبول الحقّ ممن دونه قَبِل الله منه مدخول طاعته، ونَفَعه بقليل حسناته، وزاد في رَفْع درجاته، وحَفِظه بمعقّبات رحمته، من بين يديه، ومِنْ خلفه.

[واعلم]: أن من جِبِلّة الإنسان الشحَّ بالمال، ومشايعة السبعية من إيثار الغضب، والانتقام، والاسترسال في الكِبْر الذي هو من نتائج الشيطنة، فأراد الشارع أن يَقْلَعَها، فحثّ أوّلًا على الصدقة؛ ليتحلى بالسخاء والكرم، وثانيًا على العفو؛ ليتعزز بعزّ الْحِلْم والوقار، وثالثًا على التواضع؛ ليرفع درجاته في الدارين (٢)، والله تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رحمه الله -.

[تنبيه]: قال أبو عمر بن عبد البرّ - رحمه الله -: حديث العلاء بن عبد الرحمن هذا أسنده عن مالك جماعة، وهو في "الموطأ" من قول العلاء، وكان مالك يشكّ في رَفْعه، ومثله لا يكون رأيًا، وهو محفوظ مسندٌ: مالك، عن العلاء بن


(١) "المفهم" ٦/ ٥٧٥.
(٢) "شرح الزرقانيّ" ٤/ ٥٤٩.