للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ)؛ أي: بسبب عفوه عن شيء من المظلمة، وتجاوُزه عن الانتصار مع قدرته على الانتقام، (إِلَّا عِزًّا)؛ أي: رفعة في الدنيا، فإن من عُرف بالعفو عَظُم في القلوب، أو في الآخرة، بأن يَعْظُم ثوابه، أو فيهما.

وقال النوويّ قوله: "ما زاد الله عبدأ بعفو إلا عزًّا" فيه أيضًا وجهان:

أحدهما: أنه على ظاهره، وأنَّ من عُرف بالصّفح، والعفو سادَ، وعَظُم في القلوب، وزاد عزّه، وإكرامه.

والثاني: أن يكون أجره وثوابه وَجَاهُه وعزّه في الآخرة أكثر.

(وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ) بأن أنزل نفسه عن مرتبة يستحقّها؛ لرجاء التقرب إلى الله، دون غرض غيره.

وقال النوويّ: فيه أيضًا وجهان:

أحدهما: يرفعه في الدنيا، ويُثْبت له بتواضعه في القلوب منزلةً، ويرفعه الله عند الناس، ويُجِلّ مكانه.

والثاني: أن المراد: ثوابه في الآخرة، ورَفْعه فيها بتواضعه في الدنيا، قال العلماء: وهذه الأوجه في الألفاظ الثلاثة موجودة في العادة، معروفة، وقد يكون المراد الوجهين معًا في جميعها في الدنيا والآخرة، والله أعلم. انتهى (١).

وفي رواية "الموطّأ": "وما تواضع عبد"، قال المناويّ (٢): وما تواضع أحد لله من المؤمنين رِقًّا وعبوديةً في ائتمار أمره، والانتهاء عن نهيه، ومشاهدته لحقارة النفس، ونفي العجب عنها، (إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ") في الدنيا، بأن يُثبت له في القلوب بتواضعه منزلة عند الناس، ويُجلّ مكانه، وكذا في الآخرة على سرير خُلْد لا يفنى، ومنبر مُلك لا يبلى.

وقد ظهر صِدق الحديث، فإن هذه الوجوه كلها موجودة في الدنيا، وفي هذا كله ردّ قولَ من يقول: الصبر، والحِلم والذلّ، ومن قاله من الأجلّة، فإنما أراد أنه يُشْبهه في الاحتمال، وعدم الانتصار، قاله عياض.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله"، التواضع:


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٤٢.
(٢) "فيض القدير" ٥/ ٥٠٤.