حقك، فمن الرفق به أن تتحلله، وإن كان ظالمًا فمن الحقّ ألا تتركه؛ لئلا تغترّ الظَّلَمة، ويسترسلوا في أفعالهم القبيحة.
وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي الْيَسَر الطويل، وفيه:"أنه قال لغريمه: اخرُجْ إليّ، فقد علمت أين أنت، فخرج، فقال: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا والله أُحَدِّثك ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدّثك، فأكذبك، وأن أعدك، فأُخلفك، وكنتَ صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكنتُ والله مُعْسِرًا، قال: قلت: آلله؟ قال: الله، قال: فأتى بصحيفته، فمحاها، فقال: إن وجدت قضاءً فاقضني، وإلا فأنت في حِلّ. . ."، وذكر الحديث.
قال ابن العربي: وهذا في الحي الذي يُرجى له الأداء لسلامة الذمة، ورجاء التحلّل، فكيف بالميت الذي لا محاللة له، ولا ذمة معه؟. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي الأرجح أن التحلّل جائز في الحقوق كلّها، مالِهَا، وعِرْضِها؛ - كما مال إليه القرطبيّ في كلامه السابق - لإطلاق النصوص في ذلك، مثلُ قوله - عز وجل -: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى: ٤٠]، وقوله:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور: ٢٢]، فهذه الآيات قد عمّمت، ولم تخصّ حقًّا دون حقّ.
وقد أخرج البخاريّ في "صحيحه": عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له مظلمة لأحد من عِرضه، أو شيء، فليتحلّله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقَدْر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه، فحُمِل عليه".
فهذا الحديث أصرح النصوص في هذه المسألة؛ إذ نصَّ على العِرْض، ثم عمّم جميع الحقوق بقوله:"أو شيء".
والحاصل أن التحلّل مشروع مطلقًا، فتبصَّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.