للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن يكون كأبي ضمضم، كان إذا أصبح يقول: اللَّهُمَّ إني تصدقت بعرضي على عبادك" (١)، ومع الأصل الكليّ في حقوق بني آدم من جواز تصرّفهم فيها بالإعطاء، والمنع، والأخذ والإسقاط، والله تعالى أعلم.

[تفريع]: القائلون بجواز التحلّل، وإسقاط الحقوق، اختلفوا هل تُسقط عن الظالم مطالبة الآدميّ فقط، ولا تسقط عنه مطالبة الله - عز وجل -؟، أو يَسْقُط عنه الجميع؟ لأهل العلم فيه قولان. انتهى كلام أبي العبّاس القرطبيّ - رحمه الله - (٢).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر - رحمه الله - في "تفسيره": اختَلَف العلماء في التحليل، فكان ابن المسيِّب لا يحلل أحدًا من عرض، ولا مال، وكان سليمان بن يسار، ومحمد بن سيرين يحللان من العرض والمال، ورأى مالك التحليل من المال دون العرض، رَوَى ابن القاسم، وابن وهب عن مالك، وسئل عن قول سعيد بن المسيِّب: لا أُحلِّل أحدًا، فقال: ذلك يَختلف، فقلت له: يا أبا عبد الله، الرجل يُسلِف الرجلَ، فيهلك ولا وفاء له؟ قال: أرى أن يحلّله، وهو أفضل عندي، فإن الله تعالى يقول: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٨].

فقيل له: الرجل يظلم الرجل؟ فقال: لا أرى ذلك، هو عندي مخالف للأول، يقول الله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}، ويقول تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١]، فلا أرى أن يجعله مِن ظُلمه في حِلّ.

قال ابن العربيّ: فصار في المسألة ثلاثة أقوال:

أحدها: لا يحلِّله بحال، قاله سعيد بن المسيِّب.

الثاني: يحلله، قاله محمد بن سيرين.

الثالث: إن كان مالًا حلّله، وإن كان ظلمًا لم يُحلّله، وهو قول مالك.

وجه الأول: ألا يحلل ما حرّم الله، فيكون كالتبديل لحكم الله.

ووجه الثاني: أنه حقه، فله أن يُسقط كما يُسقط دمه، وعرضه.

ووجه الثالث: الذي اختاره مالك هو أن الرجل إذا غُلب على أداء


(١) صححه الشيخ الألباني موقوفًا، وضعّفه مرفوعًا.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٦٦ - ٥٦٩.