للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عبد الله عند مالك، فلم يقيد ذلك بغَيبة الشخص، فدلّ على أن لا فرق بين أن يقول ذلك في غَيبته، أو في حضوره، والأرجح اختصاصها بالغَيبة؛ مراعاةً لاشتقاقها، وبذلك جزم أهل اللغة.

قال ابن التين: الغيبةُ: ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب، وكذا قيّده الزمخشريّ، وأبو نصر القشيريّ، في "التفسير" وابن خميس في جزء له مفرد في الغيبة، والمنذريّ، وغير واحد من العلماء، من آخرهم الكرمانيّ قال: الغيبة أن تتكلم خلف الإنسان بما يكرهه لو سمعه، وكان صدقًا، قال: وحُكم الكناية، والإشارة مع النية كذلك، وكلام من أطلق منهم محمول على المقيّد في ذلك. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قول من قال: إن الغيبة لا يُشترط فيها غَيبة الشخص هو الأظهر عندي؛ لظاهر حديث الباب، وأما تقوّل الحافظ خلافه بقول أهل اللغة، فليس مما ينبغي؛ لأن ظاهر النص لا يُعارَض إلا بمثله، أو بالإجماع، ولا يوجد هنا لا هذا، ولا هذا، فيترجّح القول بالإطلاق، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(المسألة الرابعة): في بيان حكم الغيبة:

قال النوويّ - رحمه الله -: الغيبة من أقبح القبائح، وأكثرها انتشارًا في الناس، حتى لا يَسْلَم منها إلا القليل من الناس، وذِكرك أخاك بما يكرهه عامّ سواء كان في بدنه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلْقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو مشيه، وحركته، وبشاشته، وعبوسته، وطلاقته، أو غير ذلك، مما يتعلق به، سواءٌ ذكرته بلفظك، أو كتابك، أو رمزت، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، ونحو ذلك، وضابطه أن كلَّ ما أفهمتَ به غيرك نقصان مسلم، فهو غيبة محرَّمة، ومن ذلك المحاكاة، بأن يمشي متعارجًا، أو مطأطئًا، أو على غير ذلك من الهيئات، مريدًا حكاية هيئة من ينقصه بذلك. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: لا شك في أن الغيبة محرّمة، وكبيرة من الكبائر


(١) "الفتح" ١٣/ ٦٠٦.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٤٢.