للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأُلفة، وظَنّ بعضهم أن المداراة هي المداهنة، فغَلِط؛ لأن المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرّمة، والفرق أن المداهنة من الدِّهَان، وهو الذي يَظهر على الشيء، ويستر باطنه، وفسَّرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألّفه، ونحو ذلك. انتهى (١).

٢ - (ومنها): بيان جواز غيبة الفاسق المعلن بفسقه، ومن يحتاج الناس إلى التحذير منه، قال البخاريّ - رحمه الله - في "صحيحه": "باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والرِّيَب"، ثم أورد حديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور في الباب مستدلًا على الترجمة، قال في "الفتح": وقد نوزع في كون ما وقع من ذلك غيبةً، وإنما هو نصيحةٌ؛ لِيَحْذَر السامع، وإنما لم يواجه المقول فيه بذلك؛ لِحُسْن خُلُقه - صلى الله عليه وسلم -، ولو واجه المقول فيه بذلك، لكان حسنًا، ولكن حصل القصد بدون مواجهة، والجواب أن المراد أن صورة الغيبة موجودة فيه، وان لم يتناول الغيبة المذمومة شرعًا، وغايته أن تعريف الغيبة المذكور أوّلًا هو اللغويّ، وإذا استُثني منه ما ذُكر كان ذلك تعريفها الشرعيّ. انتهى (٢).

وقال في "العمدة": هذا الحديث أصل في المداراة، وفي جواز غيبة أهل الكفر، والفسق، والظلمة، وأهل الفساد. انتهى.

وقال في "الفتح": ويُستنبط منه أن المجاهر بالفسق والشرّ، لا يكون ما يُذكر عنه من ذلك من ورائه من الغيبة المذمومة، قال العلماء: تباح الغيبة في كل غَرَض صحيح شرعًا، حيث يتعيّن طريقًا إلى الوصول إليه بها؛ كالتظلم، والاستعانة على تغيير المنكر، والاستفتاء، والمحاكمة، والتحذير من الشرّ، ويدخل فيه تجريح الرواة والشهود، وإعلام من له ولاية عامة بسيرة من هو تحت يده، وجواب الاستشارة في نكاح، أو عَقْد من العقود، وكذا من رأى


(١) "شرح البخاريّ" لابن بطّال ٩/ ٣٠٥.
(٢) "الفتح" ١٣/ ٦٠٩.