متفقهًا يتردد إلى مبتدع، أو فاسق، ويخاف عليه الاقتداء به، وممن تجوز غِيبتهم من يتجاهر بالفسق، أو الظلم، أو البدعة. انتهى (١).
٣ - (ومنها): ما قاله الخطابيّ - رحمه الله -: جَمَع هذا الحديث علمًا وأدبًا، وليس في قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أمته بالأمور التي يسميهم بها، ويضيفها إليهم من المكروه غيبة، وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض، بل الواجب عليه أن يبيّن ذلك، ويفصح به، ويعرّف الناس أمره، فإن ذلك من باب النصيحة، والشفقة على الأمة، ولكنه لِمَا جُبل عليه من الكرم، وأُعطيه من حُسن الخُلُق، أظهر له البشاشة، ولم يجبهه بالمكروه؛ لتقتدي به أمته في اتقاء شرّ مَن هذا سبيله، وفي مداراته؛ لِيَسْلَموا من شرّه وغائلته.
وتعقّبه الحافظ، فقال: وظاهر كلامه أن يكون هذا من جملة الخصائص، وليس كذلك، بل كلُّ من اطّلع من حال شخص على شيء، وخشي أن غيره يغترّ بجميل ظاهره، فيقع في محذورٍ مّا، فعليه أن يُطلعه على ما يحذر من ذلك؛ قاصدًا نصيحته، وإنما الذي يمكن أن يَختصّ به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُكشف له عن حال من يغترّ بشخص من غير أن يُطلعه المغترّ على حاله، فيذم الشخص بحضرته؛ ليتجنبه المغترّ؛ ليكون نصيحةً، بخلاف غير النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فإن جواز ذمّه للشخص يتوقف على تحقّق الأمر بالقول، أو الفعل، ممن يريد نُصحه.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: في الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق، أو الفحش، ونحو ذلك من الجور في الحكم، والدعاء إلى البدعة، مع جواز مداراتهم اتقاء شرّهم، ما لم يؤدّ ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى، ثم قال تبعًا لعياض: والفرق بين المدارة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا، أو الدين، أو هما معًا، وهي مباحة، وربما استُحِبّت، والمداهنة: تَرْك الدِّين لصلاح الدنيا، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما بذل له من دنياه حُسن عشرته، والرفق في مكالمته، ومع ذلك فلم يمدحه بقول، فلم يناقض قوله فيه فِعله، فإن قوله فيه قولٌ حقّ، وفِعله معه حسنُ عِشْرة، فيزول مع هذا التقرير الإشكال بحمد الله تعالى.
وقال عياض: لم يكن عُيينة - والله أعلم - حينئذ أسلم، فلم يكن القول