للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأنه ليس من الشعر، وحديثِ الكُهّان في شيء، فقال: عَلَّمَ صاحبكم هذا الوحي من هو على هذه الصفات، وقوله تعالى: {فَاسْتَوَى}، وحديث قيامه بصورته الحقيقيّة؛ ليؤكّد أن ما يأتيه في صورة دحية هو هو، فقد رآه بصورة نفسه، وعَرَفه حقَّ معرفته، فلا يشتبه عليه بوجهٍ، وقوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨)} تتميم لحديث نزوله إليه - صلى الله عليه وسلم -، وإتيانه بالمنزَّل، وقوله سبحانه وتعالى: {فَأَوْحَى} أي جبريل ذلك الوحي الذي مرّ أنه من عند الله تعالى إلى عبد الله، وإنما قال سبحانه وتعالى: {مَا أَوْحَى}، ولم يأت بالضمير؛ تفخيمًا لشأن المنزَّل، وأنه شيء يَجِلّ عن الوصف، فأنَّى يستجيز أحد من نفسه أن يقول: إنه شعر، أو حديث كاهن، وإيثار "عبده" بدل "إليه": أي إلى صاحبكم لإفادة الاختصاص، وإيثار الضمير على الاسم الْعَلَم في هذا المقام؛ لترشيحه، وأنه ليس عبدًا إلا له عز وجل، فلا لبس؛ لشهرته بأنه عبد الله لا غير.

وجاز أن يكون التقدير: فأوحى الله تعالى بسببه، أي بسبب هذا الْمُعَلِّم إلى عبده، ففي الفاء دلالة على المعنى، وهذا وجه أيضًا سديد، ثم قال سبحانه وتعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١) على معنى: أنه لَمّا عرفه، وحقّقه لم يكذبه فؤاده بعد ذلك، ولو تَصَوَّر بغيو تلك الصورة أنه جبريل، فهذا نظم سِرّيٌّ مَرْعيّ فيه النُّكَت حقَّ الرعاية، مطابق للوجود، لم يُعدل به عن واجب الوفاق بين البداية والنهاية انتهى.

وهو كلام نفيسٌ، يُرجّح به ما رُوي عن عائشة - رضي الله عنهما -، الآتي - إن شاء الله تعالى - (١).

والمسائل المتعلّقة بالحديث تقدّمت في الحديث الماضي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال:

[٤٤١] ( … ) - (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا


(١) "روح المعاني" ٢٧/ ٤٩.