للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"إني لم أُبعث لعّانًا"، وأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عقد راية بني سليم حمراء. انتهى (١).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ) بالبناء للمفعول، حال كوني (لَعَّانًا) قال القرطبيّ - رحمه الله -: كان هذا منه - صلى الله عليه وسلم - بعد دعائه على رعل، وذكوان، وعصيّة الذين قَتَلوا أصحابه ببئر معونة، فأقام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شهرًا يدعو عليهم، ويلعنهم في آخر كلِّ صلاة من الصلوات الخمس، يقنت بذلك، حتى نزل عليه جبريل؛ فقال: "إن الله تعالى لم يبعثك لعّانًا، ولا سبّابًا، وإنما بعثك رحمةً، ولم يبعثك عذابًا ثم أنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨)} [آل عمران: ١٢٨] على ما أخرجه أبو داود في "مراسيله" (٢) من حديث خالد بن أبي عمران، وفي "الصحيحين" ما يؤيّد ذلك، ويشهد بصحته. انتهى (٣).

(وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً") قال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧]؛ أي: بالرسالة العامة، والإرشاد للهداية، والاجتهاد في التبليغ، والمبالغة في النصح، والحرص على إيمان الجميع، وبالصبر على جفائهم، وتَرْك الدعاء عليهم؛ إذ لو دعا عليهم لهلكوا، وهذه الرحمة يشترك فيها المؤمن والكافر، أما رحمته الخاصّة، فلمن هداه الله تعالى، ونوّر قلبه بالإيمان، وزيَّن جوارحه بالطاعة، كما قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]، فهذا هو المغمور برحمة الله تعالى، المعدود في زمرة الكائنين معه - صلى الله عليه وسلم - في مُستَقَرّ كرامته، جعلنا الله تعالى منهم، ولا حال بيننا وبينهم. انتهى (٤).

وقال في "المرقاة": قوله: "بُعثت رحمةً"؛ أي: للناس عامّة، وللمؤمنين خاصّة متخلقًا بوصف الرحمة، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧]، قال ابن الملك: أما للمؤمنين فظاهر، وأما للكافرين فلأن العذاب رُفع عنهم في الدنيا بسببه - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى: {وَمَا


(١) "الآحاد والمثاني" ٣/ ١٢٥.
(٢) رواه أبو داود في "مراسيل" برقم (٨٩)، والبيهقيّ ٢/ ٢١٠.
(٣) "المفهم" ٦/ ٥٨٢.
(٤) "المفهم" ٦/ ٥٨٢ - ٥٨٣.