للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أخرجه (المصنّف) هنا [٢٤/ ٦٥٩٠] (٢٥٩٩)، و (البخاريّ) في "الأدب المفرد" (٣٢١)، و (أبو يعلى) في "مسنده" (١١/ ٣٥)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

١ - (منها): بيان أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يبعثه الله تعالى لعّانًا لعباده، وإنما بعثه رحمة لهم، فهو - صلى الله عليه وسلم - رحيم بعباده كلّهم، فهو كما قال الله - عز وجل - في تحقيق وصفه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨]، ولقد أجاد من قال، وأحسن في المقال:

رَحْمَةٌ كُلُّهُ وَحَزْمٌ وَعَزْمٌ … وَعِصْمَةٌ وَوَقَارٌ وَحَيَاءُ

٢ - (ومنها): ما قاله بعضهم: "وإنما أنا رحمة"؛ أي: ذو رحمة، أو مبالغ في الرحمة حتى كأني عَيْنها؛ لأن الرحمة ما يترتب عليه النفع ونحوه، وذاته كذلك، وإذا كانت ذاته رحمة، فصفاته التابعة لذاته كذلك، "مهداة" بضم الميم؛ أي: ما أنا إلا ذو رحمة للعالمين أهداها الله تعالى إليهم، فمن قَبِل هديته أفلح، ونجا، ومن أبى خاب، وخسر، وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - هو الواسطة لكل خير دنيويّ، أو أخروي، فمن خالف فعذابه من نفسه؛ كعين انفجرت، فانتفع قوم، وأهمل قوم، فهي رحمة لهم كلّهم.

ولا يشكل على الحصر وقوع الغضب منه - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا؛ لأن الغضب لم يُقْصَد مِن بَعْثه - صلى الله عليه وسلم -، بل القصد بالذات الرحمة، والغضب بالتبعية، بل في حكم العدم، فانحصر فيها مبالغة، أو المعنى: أنه رحمة على الكلّ، لا غضبٌ على الكلّ، أو أنه رحمة في الجملة، فلا ينافي الغضب في الجملة، أنه رحمة في الجملة، ويكفي في المطلب إثبات الرحمة. انتهى (١).

٣ - (ومنها): أن هذا الحديث بمعنى قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧] قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: يُخبر تعالى أن الله جعل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رحمةً للعالمين؛ أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمَن قَبِل هذه الرحمة، وشكر هذه النعمة سَعِد في الدنيا والآخرة، ومن ردّها، وجحدها خسر


(١) "فيض القدير" ٢/ ٥٧٢.