الروايات المطلقة، وأنه إنما يكون دعاؤه عليه رحمةً، وكفارةً، وزكاةً، ونحو ذلك، إذا لم يكن أهلًا للدعاء عليه، والسبّ، واللعن، ونحوه، وكان مسلمًا، وإلا فقد دعا - صلى الله عليه وسلم - على الكفار، والمنافقين، ولم يكن ذلك لهم رحمةً.
[فإن قيل]: كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه، أو يسبه، أو يلعنه، ونحو ذلك؟.
[فالجواب]: ما أجاب به العلماء، ومختصره وجهان:
أحدهما: أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى، وفي باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له، فيظهر له - صلى الله عليه وسلم - استحقاقه لذلك بأمارة شرعية، ويكون في باطن الأمر ليس أهلًا لذلك، وهو - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
والثاني: أن ما وقع من سبّه، ودعائه، ونحوه، ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وَصْل كلامها بلا نيّة؛ كقوله:"تربت يمينك"، و"عقرَى، حلقَى"، وفي هذا الحديث "لا كَبِرت سنُّك"، وفي حديث معاوية:"لا أشبع الله بطنه"، ونحو ذلك، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف - صلى الله عليه وسلم - أن يصادف شيء من ذلك ساعة إجابة، فسأل ربه - سبحانه وتعالى -، ورَغِب إليه في أن يجعل ذلك رحمةً، وكفارةً، وقربةً، وطَهورًا، وأجرًا، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذّ من الأزمان، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - فاحِشًا، ولا متفحشًا، ولا لعّانًا، ولا منتقمًا لنفسه، وقد سبق في هذا الحديث أنهم قالوا: ادع على دوس، فقال:"اللَّهُمَّ اهد دوسًا"، وقال:"اللَّهُمَّ اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون"، والله أعلم. انتهى (١).
٣ - (ومنها): بيان فضل هذه الأمة المحمّديّة، حيث جعلها الله تعالى أمة لهذا النبيّ الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، فإذا حصل لها شيء من التقصير حصل لها منه - صلى الله عليه وسلم - فضل كبير، حيث يدعو عليها، فتكون تلك الدعوة لها قربةً إلى الله تعالى، بخلاف الأمم السابقة، فإنها إذا أساءت إلى أنبيائها دعوا عليها، فهلكت، اللَّهُمَّ لك الحمد على هذه النعماء، ولك الشكر على مزيد