للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: الهاء في "هيهْ" للوقف، فإذا وَصَلْتَ حذفتها، وهذا الاستفهام على جهة التعجّب، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - كان قد رآها صغيرةً، ثم غابت عنه مدّةً، فرآها قد طالت، وعَبُلت (١)، فتعجّب من سُرعة ذلك، فقال لها ذلك القول متعجّبًا، فوصل كلامَهُ بقوله: "لا كبِر سنُّك" على ما قلناه من إطلاق ذلك القول من غير إرادة معناه، وهذا واضحٌ هنا.

ويَحْتَمِل أن يقال: إنما دعا عليها بأن لا يكبر سنها كِبَرًا تعود به إلى أرذل العمر، كما كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتعوّذ من أن يُردَّ إلى أرذل العمر، والمعنى الأول أظهر من مساق بقيّة الحديث في اعتذاره - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. انتهى (٢).

(لَقَدْ كَبِرْتِ) بفتح الكاف، وكسر الموحّدة، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: كَبِرَ الصبيّ وغيره يَكْبَرُ، من باب تَعِبَ مَكْبِرًا، مثلُ مَسْجِدٍ، وكِبَرًا، وزانُ عِنَبٍ، فهو كبِيرٌ، وجَمْعه كِبَارٌ، والأنثى كَبِيرَةٌ، وفي التفضيل هو الأكبرُ، وجَمْعه الأَكَابِرُ، وهي الكُبْرى، وجَمْعها كُبَرٌ، وكُبْرَيَاتٌ، وهذا أَكْبَرُ من زيد: إذا زادت سِنّه على سنّ زيد. انتهى (٣).

(لَا كَبِرَ سِنُّكِ") هذا لفظه لفظ دعاء عليها بأن لا يكبر سنّها، ولكن المراد به مجرّد تدعيم الكلام، على عادة العرب، كما أسلفنا تحقيقه. (فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ) - رضي الله عنها-، حال كونها (تَبْكِي) من دعاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عليها، (فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ)؛ أي؛ أيّ: شيء ثبت لك، حيث تبكين (يَا بُنَيَّةُ؟ قَالَتِ الْجَارِيَةُ: دعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي) هذا هو ظنها الذي أداها إلى البكاء، (فَالآنَ)؛ أي: الوقت الحاضر؛ أي: ابتداء منه، (لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا) قال الفيّوميّ - رحمه الله -: الأَبَدُ: الدَّهْر، ويقال: الدَّهْر الطويل الذي ليس بمحدود، قال الرُّمَّانيُّ: فإذا قلت: لا أكَلِّمُهُ أبدًا، فالأبَدُ من لَدُنْ تكَلَّمْت إلى آخر عمرك، وجَمْعه آبَادٌ، مثل سَبَبٍ وأسباب. انتهى (٤).

(أَوْ قَالَتْ) "أو" هنا للشكّ من الراوي فيما ذكرت الجارية، هل قالت: سنّي، أو قالت: (قَرْنِي) قال القرطبيّ - رحمه الله -: هو بفتح القاف، وتعني به السنّ،


(١) أي: ضَخُمت.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٨٦.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٥٢٣.
(٤) "المصباح المنير" ١/ ١.