للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦]؛ أي: وما ربك بذي ظلم؛ لأن نفي الظلامية لا يستلزم نفي كونه ظالِمًا، فلذلك يقدَّر كذا؛ لأن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرّة؛ يعني: ليس عنده ظلم أصلًا. انتهى (١).

وقوله: (الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ) في محل نصب على أنه خبر "ليس"، و"يصلح" بضم الياء من الإصلاح.

وقال المناويّ - رحمه الله -: "ليس الكذّاب"؛ أي: ليس يأثم في كذبه، من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم، "بالذي"، وفي رواية: "الذي يصلح" بضم الياء، "بين الناس"؛ أي: من يَكْذب لإصلاح المتشاجرين، أو المتباغضين.

[فإن قيل]: هذا الحديث يعارضه خبر أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى الكذّاب يعذَّب بالكَلُّوب من حديد.

[قلنا]: العذاب على الكذب عامّ فيه كلِّه، وما جاء في غيره فهو تخصيص للعامّ، وهذا هو الذي تناوله الحديث، وكذا كلُّ كذب يؤدي إلى خير، كما أشار إليه بقوله: "فينمي" بفتح أوله، وكسر الميم، مخفّفًا؛ أي: يبلغ "خيرًا" على وجه الإصلاح، "ويقول خيرًا"؛ أي: يُخبر بما عمله المخبَر عنه من الخير، ويسكت عما عمله من الشرّ، فإن ذلك جائزٌ، بل محمود، بل قد يُندَب، بل قد يجب، لكن في اشتراط قَصْد التورية خُلْف.

وليس المراد: نفي ذات الكذب، بل نفي إثمه، فالكذب كذبٌ، وإن قيل لإصلاح، أو غيره، كذا قرره جمع.

وقال البيضاوي: قوله: "ينمي خيرًا"؛ أي: يُبلغ خير ما يسمعه، ويَدَع شرّه، يقال: نميته الحديثَ مخفّفًا في الإصلاح، ونمّيته مثقّلًا في الإفساد، الأول من النماء؛ لأنه رفعٌ لِمَا يبلغه، والثاني من النميمة.

وإنما نُفي عن المصلح كونه كذّابًا باعتبار قَصْده، وهذه أمور قد يَضطرّ الإنسان فيها إلى زيادة القول، ومجاوزة الصدق؛ طلبًا للسلامة، ودفعًا للضرر، ورُخّص في اليسير من الفساد؛ لِمَا يؤمّل فيه من الصلاح، والكذبُ في الإصلاح بين اثنين أن يَنمي من أحدَهما إلى صاحبه خيرًا، ويُبلغه جميلًا، وإن


(١) "عمدة القاري" ١٣/ ٢٦٨.