للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم يكن سمعه منه بقصد الإصلاح، والكذب في الحرب أن يُظهر في نفسه قوّة، ويتحدث بما يُقَوِّي به أصحابه، ويكيد عدوه، والكذب للزوجة أن يَعِدها، ويُمَنِّيها، ويُظهر لها أكثر مما في نفسه؛ ليستديم صحبتها، ويُصلح به خُلُقها.

قال النوويّ: وقد ضبط العلماء ما يباح من الكذب، وأحسن ما رأيته في ضَبْطه قول الغزاليّ: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود، يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعًا، فالكذب فيه حرام؛ لعدم الحاجة، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب، ولم يمكن بالصدق، فالكذب فيه مباح لمباح، وواجب لواجب. انتهى كلام المناويّ - رحمه الله - (١).

(وَيَقُولُ خَيْرًا، وَيَنْمِي خَيْرًا") بفتح حرف المضارعة، وكسر الميم؛ أي: يبلغ، تقول: نميت الحديث أنميه: إذا بلّغته على وجه الإصلاح، وطَلَب الخير، فإذا بلّغته على وجه الإفساد، والنميمة، قلت: نَمّيته بالتشديد، كذا قاله الجمهور، وادَّعَى الحربيّ أنه لا يقال إلا نَمّيته بالتشديد، قال: ولو كان ينمي بالتخفيف للزم أن يقول: خيرٌ بالرفع، وتعقبه ابن الأثير بأن خيرًا انتصب بينمي، كما بينتصب بِقَال، وهو واضح جدًّا يُستغرب من خفاء مثله على الحربيّ.

ووقع في رواية "الموطأ": يُنمي، بضم أوله، وحكى ابن قرقول عن رواية ابن الدباغ بضم أوله، وبالهاء بدل الميم، قال: وهو تصحيف، ويمكن تخريجه على معنى يُوصل، تقول: أنهيت إليه كذا: إذا أوصلته.

وفي رواية البخاريّ: "فينمي خيرًا، أو يقول خيرًا"، قال في "الفتح": قوله: "أو يقول خيرًا" هو شك من الراوي، قال العلماء: المراد هنا: أنه يُخبر بما علمه من الخير، ويسكت عما علمه من الشرّ، ولا يكون ذلك كذبًا؛ لأن الكذب الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به، وهذا ساكت، ولا يُنسب لساكت قول، ولا حجة فيه لمن قال: يُشترط في الكذب القصد إليه؛ لأن هذا ساكت. انتهى (٢).


(١) "فيض القدير" ٥/ ٣٥٩.
(٢) "الفتح" ٦/ ٥٧٥، كتاب "الصلح" رقم (٢٦٩٢).