(قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) هذا صريح في أن هذا الكلام من الزهريّ، وليس لأم كلثوم، فهو مدرج في الروايات الأخرى. (وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ) بالبناء للمفعول، (فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ: كَذِبٌ، إِلَّا فِي ثَلَاثٍ)؛ أي: ثلاث خصال: أحدها (الْحَرْبُ) بأن يكذب على عدوّه حتى يتمكن من غلبته له، (وَالإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ) بأن يذكر لأحد الخصمين أن خصمه يذكره بخير، ويُثني عليه، وكذا يقول للآخر مثله، (وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ) بأن يَعِدَها ما يسرّ قلبها من الزينة ونحوها، (وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا) بأن تخبره بأنه أحبّ الناس إليها، حتى يكسب كلّ منهما مودّة الآخر.
قال في "الفتح": وما زاده مسلم، والنسائيّ من رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، في آخره:"ولم أسمعه يُرَخِّص في شيء مما يقول الناس: إنه كذب إلا في ثلاث. . ."، فذكرها، وهي الحرب، وحديث الرجل لامرأته، والإصلاح بين الناس، وأورد النسائي أيضًا هذه الزيادة من طريق الزُّبيديّ، عن ابن شهاب، وهذه الزيادة مُدْرَجة بَيَّن ذلك مسلم في روايته من طريق يونس، عن الزهريّ، فذكر الحديث، قال: وقال الزهريّ: وكذا أخرجها النسائيّ مفردة من رواية يونس، وقال: يونس أثبت في الزهريّ من غيره، وجزم موسى بن هارون وغيره بإدراجها.
قال الحافظ: ورويناه في "فوائد بن أبي ميسرة" من طريق عبد الوهاب بن رُفيع، عن ابن شهاب، فساقه بسنده، مقتصرًا على الزيادة، وهو وَهَمٌ شديد. انتهى (١).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقول أم كلثوم: "ولم أسمعه يرخَّص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث" تعني بذلك: أنه لم يرخص في شيء مما يكذب الناس فيه إلا في هذه الثلاث، وقد جاء لفظ الكذب نصًّا في كتاب الترمذيّ من حديث أسماء بنت يزيد، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحلّ الكذب إلا في ثلاث: يحدّث الرجل امرأته لِيُرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس"، فهذه الأحاديث قد أفادت: أن الكذب كلّه محرّم لا يحل