للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعلى هذا قوله - عز وجل -: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الآية [يونس: ٢]، وقوله - عز وجل -: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} الآية [الإسراء: ٨٠]، وقوله - عز وجل -: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤)} [الشعراء: ٨٤]، فإن ذلك سؤال أن يجعله الله تعالى صالحًا، بحيث إذا أثنى عليه مَنْ بَعدَهُ لم يكن ذلك الثناء كذبًا، بل يكون كما قال الشاعر [من الطويل]:

إِذَا نَحْنُ أَثْنَيْنَا عَلَيْكَ بِصَالِحٍ … فَأَنْتَ الَّذِي نُثْنِي وَفَوْقَ الَّذِي نُثْنِي

انتهى المقصود من كلام الراغب (١).

(يَهْدِي) بفتح أوله، من الهداية، وهي الدلالة الموصلة إلى المطلوب، هكذا وقع أول الحديث من رواية منصور، عن أبي وائل، ووقع في أوله من رواية الأعمش، عن أبي وائل الآتية عند مسلم، وأبي داود، والترمذيّ: "عليكم بالصدق، فإن الصدق"، وفيه: "وإياكم والكذب، فإن الكذب إلخ"، (إِلَى الْبِرِّ) بكسر الموحّدة، أصله التوسع في فعل الخير، وهو اسم جامع للخيرات كلّها، ويُطلق على العمل الخالص الدائم (٢).

وقيل: هو العمل الصالح الخالص من كلّ مذموم. قال ابن العربيّ: إذا تحرّى الصدق لم يَعص الله؛ لأنه إن أراد أن يفعل شيئًا من المعاصي خاف أن يقال: أفعلت كذا؟ فإن سكت لم يَأمن الريبة، وإن قال: لا كَذَب، وإن قال: نعم فَسَق، وسقطت منزلته، وانتُهكت حرمته. انتهى (٣).

(وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ) قال ابن بطال: مصداقه في كتاب الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣)} [الانفطار: ١٣]، (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ) زاد في الرواية الآتية: "ويتحرّى الصدق". قال القرطبيّ: معنى "يتحرّى الصدق": يقصد إليه، ويتوخّاه، ويجتنب نقيضه الذي هو الكذب حتى يكون الصدق غالب حاله، فيُكتب من جملة الصدّيقين، ويُثبتُ في ديوانهم، وكذلك القول في الكذب،


(١) "مفردات ألفاظ القرآن" ص ٤٧٨ - ٤٧٩.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٥٢٤.
(٣) راجع: "شرح السنديّ" على ابن ماجه ١/ ٣٦.