للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأصل الكَتْب: الضمّ والجمع، ومنه: كَتَبْتُ البغلةَ إذا جمعت بين شُفريها (١) بحلقة. انتهى (٢).

(حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا) وفي بعض النُّسخ: "حتى يُكتب عند الله صدّيقًا". قال ابن بطال: المراد أنه يتكرر منه الصدق، حتى يستحقّ اسم المبالغة في الصدق، (وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ) بالضمّ مصدر فَجَر يفجُر من باب قَعَد، يقال: فَجَر العبد فُجُورًا: إذا فسق، وزنى، وفَجَر الحالف فُجورًا: إذا كذب. قاله الفيّوميّ (٣).

وقال الراغب الأصفهانيّ - رحمه الله -: أصل الفَجْر: الشقّ، فالفجور شَقّ سِتر الديانة، ويُطلق على المَيْل إلى الفساد، وعلى الانبعاث في المعاصي، وهو اسم جامع للشرّ. انتهى بتصرّف (٤).

وقال السنديّ - رحمه الله -: قيل: لعلّ الكذب بخاصيّته يُفضي بالإنسان إلى القبائح، والصدق بخلافه، ويَحْتَمِل أن يكون المراد بالفجور هو نفس ذلك الكذب، وكذلك البرّ نفس ذلك الصدق، والهداية إليه باعتبار المغايرة الاعتباريّة في المفهوم والعنوان، كما يقال: العلم يؤدّي إلى الكمال، وإليه يشير آخر الحديث. انتهى (٥).

(وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ)؛ أي: يوصل إليها، ومِصداق هذا في كتاب الله تعالى قوله - عز وجل -: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)} [الانفطار: ١٤].

(وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا") قال في "الفتح": المراد بالكتابة: الحُكم عليه بذلك، وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى، وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض، وقد ذكره مالك بلاغًا عن ابن مسعود، وزاد فيه زيادة مفيدة، ولفظه: "لا يزال العبد يكذب، ويتحرى الكذب، فيُنكت في قلبه نكتةٌ سوداءُ، حتى يسوَدّ قلبه، فيُكتب عند الله من الكاذبين" (٦)، والله تعالى أعلم.


(١) أي: جانب فَرْجها، وهو بالضمّ جَمْعه أشفار، كقُفْل وأقفال.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٩٢.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٤٦٢.
(٤) "مفردات ألفاظ القرآن" ص ٦٢٦.
(٥) "شرح السنديّ" ١/ ٣٦.
(٦) "الفتح" ١٣/ ٦٦٩، كتاب "الأدب" رقم (٦٠٩٤).