للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

استفهاميّة؛ أي: أيّ شيء (تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ) بفتح الراء، (فِيكُمْ؟ " قَالَ) ابن مسعود (قُلْنَا: الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ، قَالَ: "لَيْسَ ذَاكَ بِالرَّقُوب، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا") قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: أجابوه بمقتضى اللفظة في اللغة، فأجابهم هو بمقتضاها في المعنى في الآخرة؛ لأنَّ من لَمْ يَعِشْ له وَلَد يَأْسَف عليهم، فقال: بل يجب أن يسمى بذلك، ويأسف من لَمْ يجدهم في الآخرة؛ لِمَا فاته من أجر تقديمهم بين يديه، وأصيب بذلك، وهذا من تحويل الكلام إلى معنى آخر، كقوله: في الصُّرَعة، والمحروب مَنْ حُرِب. انتهى (١).

وقال الأثير - رَحِمَهُ اللهُ -: الرَّقوب في اللغة: الرجل والمرأة ما لَمْ يعش لهما ولد؛ لأنه يَرقُب موته، ويرصُده خوفًا عليه، فَنَقَله النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الذي لَمْ يُقَدِّم من الولد شيئًا؛ أي: يموت قبله؛ تعريفًا أن الأجر والثواب لمن قَدَّم شيئًا من الولد، وأن الاعتداد به أكثر، والنفع فيه أعظم، وإنّ فَقْدهم، وإنْ كان في الدنيا عظيمًا، فإنّ فَقْد الأجر والثواب على الصبر، والتسليم للقضاء في الآخرة أعظم، وأن المسلم وَلَده في الحقيقة من قدَّمه، واحتسبه، ومن لَمْ يُرزَق ذلك فهو كالذي لا وَلَد له، ولم يقله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبطالًا لتفسيره اللغويّ، كما قال: إنما المحروب من حُرب دينه، ليس على أنَّ من أُخذ ماله غير محروب. انتهى (٢).

(قَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ("فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ) بضمّ الصاد المهملة، وفتح الراء، من يصرع الناس، ويطرحهم على الأرض؛ لشدّة بأسه، قال المجد - رَحِمَهُ اللهُ -: الصَّرْعُ ويُكسرُ: الطَّرْحُ على الأرْض، كالمَصْرَع، كمَقعدٍ، وهو مَوْضِعهُ - أيضًا، وقد صَرَعهُ، كمَنَعه، والصِّرْعَةُ بالكسر: للنَّوْع، ومنه المَثَلُ: سُوءُ الاسْتمساكِ خيرٌ من حُسنِ الصِّرْعَة، ويُرْوَى بالفتح بمعنَى المَرَّة، وبالضم: من يَصْرَعهُ الناسُ كثيرًا، وكهُمَزةٍ: من يَصْرَعُهُم، كالصِّرِّيع، والصُّرَاعة، كسِكِّينٍ، ودُرَّاعَةٍ، وكأميرٍ: المَصْروعُ، جَمْعه: صَرْعَى. انتهى (٣).

(فِيكُمْ؟ ")؛ أي: في معاشر الناس، (قَالَ: قُلْنَا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ)؛ أي: لا يُلقونه، ولا يطرحونه على الأرض؛ لشدّة بأسه. " (قَالَ: لَيْسَ) الصُّرَعة


(١) "مشارق الأنوار" ١/ ٢٩٨.
(٢) "النهاية في غريب الأثر" ٢/ ٢٤٩.
(٣) "القاموس المحيط" ص ٩٥١.