للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(بِذَلِكَ) لا يصرعه الناس، (وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ")؛ أي: لا تغلبه نفسه، بل يكفّها، ويتغلّب عليها؛ لئلا ترتكب جريمة بسبب الغضب.

قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أما الرقوب فبفتح الراء، وتخفيف القاف، والصَّرَعة بضم الصاد، وفتح الراء، وأصله في كلام العرب: الذي يَصْرَع الناس كثيرًا، وأصل الرَّقُوب في كلام العرب: الذي لا يعيش له وَلَد.

ومعنى الحديث: إنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده، وليس هو كذلك شرعًا، بل هو من لَمْ يمت أحد من أولاده في حياته، فيحتسبه، ويُكتب له ثواب مصيبته به، وثواب صَبْره عليه، ويكون له فَرَطًا، وسَلَفًا، وكذلك تعتقدون أن الصُّرَعة الممدوح القويَّ الفاضل هو القويّ الذي لا يَصْرَعه الرجال، بل يَصْرَعهم، وليس هو كذلك شرعًا، بل هو من يملك نفسه عند الغضب، فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قَلَّ من يقدر على التخلق بخُلُقه، ومشاركته في فضيلته، بخلاف الأول. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الرَّقُوب: فَعُول، وهو الكثير المراقبة، كضروب، وقتول، لكنه صار في عُرْف استعمالهم عبارة عن المرأة التي لا يعيش لها ولدٌ، كما قال عبيد بن الأبرص:

بَاتَتْ عَلَى إِرَمٍ عَذُوبًا … كَأنَّهَا شَيْخَةٌ رَقُوبُ

قلت (٢): هذا نقلُ أهل اللغة، ولم يذكروا أن الرّقوب يقال على من لا يولد له، مع أنه قد كان معروفًا عند الصحابة - رضي الله عنهم -، ولذلك أجابوا به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والقياس يقتضيه؛ لأنَّ الذي لا يولَد له يكثر ارتقابه للولد، وانتظاره له، وَيطمع فيه إذا كان ممن يرتجى ذلك، كما يقال على المرأة التي ترقُب موت زوجها: رقُوب، وللناقة التي ترقُب الحوض، فتنفر منه، ولا تقربه: رَقُوب.

قلت (٣): ويَحْتَمِل أن يُحمل قولهم في الرقُوب: إنه الذي لا يولد له بعد فَقْد أولاده؛ لوصوله من الكِبَر إلى حال لا يولد له، فتجتمع عليه مصيبة الفقد، ومصيبة اليأس، وهذا هو الأَلْيق بمساق الحديث، ألا ترى قوله: "ليس ذلك


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٦٢.
(٢) القائل هو القرطبيّ.
(٣) القائل هو القرطبيّ.