للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ") وفي حديث معاذ - رضي الله عنه -: "إني لأعلم كلمة لو يقولها هذا الغضبان، لذهب عنه الغضب، اللَّهُمَّ أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم". (فَقَالَ الرَّجُلُ) بعدما كلّمه رجل بما قاله النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ففي الرواية التالية: "فَقَامَ إِلَى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آنِفًا؟ فذكر له"، وفي رواية أبي داود ما يُبيّن أن الرجل الذي قام إليه هو معاذ بن جبل، ولفظه: "قال: فجعل معاذ يأمره، فأبي، وضَحِك، وجعل يزداد غضبًا وفي رواية البخاريّ: "فانطلق إليه الرجل، فأخبره بقول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: تعوّذ بالله من الشيطان"، قال في "الفتح": قوله: "وقال: تعوّذ بالله وفي رواية: "إن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: تعوذ بالله"، وهو بالمعني، فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرشده إلى ذلك، وليس في الخبر أنه أمَرهم أن يأمروه بذلك، لكن استفادوا ذلك من طريق عموم الأمر بالنصيحة للمسلمين. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: "وليس في الخبر أنه أمرهم إلخ" هذا عجيب، أليس قوله: "إن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صريحًا، فتأمله بالإمعان، وبالله تعالى التوفيق.

فقال الرجل لمّا أخبروه بذلك: (وَهَلْ تَرَى) بفتح، وضبطه في "الفتح" بضمها؛ أي: أتظنّ (بِي مِنْ جُنُونٍ؟) "من" زائدة.

وفي رواية البخاريّ: "أمجنون أنا، اذهب"، وقوله: "اذهب" هو خطاب من الرجل للرجل الذي أمَره بالتعوّذ؛ أي: امْضِ في شغلك.

وأَخْلِق بهذا المأمور أن يكون كافرًا أو منافقًا، أو كان غلب عليه الغضب، حتى أخرجه عن الاعتدال، بحيث زجر الناصح الذي دلّه على ما يزيل عنه ما كان به من وَهَج الغضب بهذا الجواب السيئ.

وقيل: إنه كان من جُفاة الأعراب، وظنّ أنه لا يستعيذ من الشيطان إلَّا مَن به جنون، ولم يعلم أن الغضب نوع من شرّ الشيطان، ولهذا يخرج به عن صورته، ويزيّن إفساد ما له كتقطيع ثوبه، وكَسْر آنيته، أو الإقدام على من أغضبه، ونحو ذلك مما يتعاطاه من يخرج عن الاعتدال.


(١) "الفتح" ١٣/ ٥٩٩.