للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بشكله على ما سبق في علمه، فلما رآها إبليس أطاف بها؛ أي: دار حولها، وجعل ينظر في كيفيتها وأمرها، فلما رآها ذات جوف وقع له أنَّها مفتقرة إلى ما يسدّ جوفها، وأنها لا تتمالك عن تحصيل ما تحتاج إليه من أغراضها، وشهواتها، فكان الأمر على ما وقع. انتهى (١).

وقال المناويّ: قوله: "فلما رآه أجوف"؛ أي: صاحب جوف، والأجوف هو الذي داخله خالٍ، "عَرَف أنه خَلْق"؛ أي: مخلوق"لا يتمالك"؛ أي: لا يملك دفع الوسوسة عنه، أو لا يتقوى بعضه ببعض، ولا يكون له قوّة وثبات، بل يكون متزلزل الأمر، متغير الحال، مضطرب القال، مُعَرَّضًا للآفات، والتمالك: التماسك، أو لا يتماسك عن ما يسدّ جوفه، ويجعل فيه أنواع الشهوات الداعية إلى العقوبات، فكان الأمر كما ظنه.

قال التوربشتيّ: هذا الحديث مُشْكِل جدًّا، فقد ثبت بالكتاب والسُّنَّة أن آدم من أجزاء الأرض، وادخل الجَنَّة، وهو بشر حيّ، ويؤيّده المفهوم من نصّ الكتاب: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: ٣٥].

وقال البيضاويّ: الأخبار متظاهرة على أنَّ الله تعالى خلق آدم من تراب، قبضه من وجه الأرض، وخَمَّره حتى صار طينًا، ثم تركه حتى صار صلصالًا، وكان مُلْقًى بين مكة والطائف، ببطن نعمان (٢)، ولكن لا ينافي تصويره في الجَنَّة؛ لجواز أن تكون طينته لمّا خُمِّرت في الأرض، وتُركت فيها مضت عليها الأطوار، واستعدّت لقبول الصورة الإنسانية، حُملت إلى الجَنَّة، فصُوِّرت، ونفخ فيها الروح، وقوله تعالى: {يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: ٣٥، الأعراف: ١٩] لا دلالة فيه أصلًا على أنه أُدخلها بعد نفخ الروح؛ إذ المراد بالسكون الاستقرار، والتمكن، والأمر به لا يجب كونه قبل الحصول في الجَنَّة، كيف وقد تظافرت الروايات على أنَّ حواء خُلقت من آدم في الجنّة، وهو أحد المأمورين به، ولعل آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - لمّا كانت مادّته التي هي البدن من


(١) "المفهم" ٦/ ٥٩٦ - ٥٩٧.
(٢) قال الجامع عفا الله عنه: هذا يحتاج إلى دليل صحيح، فليُنظر ما هو؟ والله تعالى أعلم.